رُبما تُعَدّ الحدود مشكلةً وسببًا رئيسيًا لاندلاع الكثير من الحروب في أنحاء العالم، لعوامل تتعلّقُ بالخِلافات التي ليس لها نهايةً حول االتَّرسيم النِّهائيّب، وتَتَركَّزُ هذه الخِلافات على نقطةِ المنافسةِ المتزايدةِ بين جميع الدُّول، بهدفِ كسبِ أكبَر قدْرٍ من ثَرَواتِ الأرض.
ولَعلَّ الصِّين والهنْد مِن هذه الدُّول التي اندلعت بينهما اشتِباكاتٌ عديدة، منها حرب عام 1962، والسبب الأوَّل لهذا القتال يتعلقُ بالخلافِ الحدوديِّ بينَ الطرفين، وتَمْتدُّ الخلافاتُ الكبيرةُ بينَ الهنْد والصِّين لِعقودٍ مضت، نَظرًا للحدودِ المشتركةِ التي تجمعهما، وما تُسبِّبُه من مناوشاتٍ متكرِّرة، باعتبارِ أنَّ كلَّ طرَفٍ يتبنى رُؤىً خاصةً تَتَباينُ مع الطرف الآخر، الأمر الذي أدَّى إلى عدم تَرسِيم الحدود بشكلٍ نهائيّ، ويتركز النزاعُ الحدودي بين البَلدَين في منطقة االهيملاياب، والتي تَفصِل سهول شبه القارة الهندية عن هضبة االتّبتب، وتحتوي على القِمَم الأعلى على وجْه الأرض، ومنها اجبل إِفرِسْتب.
ويتمحورُ الخلاف الرَّئيسيّ بين الصِّين والهند حول عدم ترسيم حُدودِهما المُمتدَّة على طول أربعة آلاف كيلومتر، فمن جهة تؤكِّد الهند أن الصِّين تحتلُّ 38 ألف كيلومتر مربع من أراضيها في اأكساي تشينب، اوسيكيمب، في حين تأْمَل ابكينب في أن تتخلى الهند عن مقاطعة اأروناشال براديشب الواقعةِ شمال شرق الهند، والتي تبلغ مِساحتُها نحو90 ألف كيلو متر مربع.
ويبلغُ طولُ الحدودِ بينَ الهند والصِّين أكثرَ من 3440 كيلومتر (2100 ميل)، وتَتَداخلُ بَعضُ الأراضي التي يطالِب البَلَدان بالسِّيادةِ عليها، وكثيرًا ما تَتَصادمُ الدوريَّات الحُدوديَّةِ ببعضِها، ما يُؤدِّي إلى مُصادماتٍ عابرة.
ويتقابلُ جيشا البَلَدَيْن، وهما من أكبرِ الجيوشِ في العالم، في نقاطٍ عِدَّة، إذْ يَفصِل اخط السَّيطرةِ الفِعليَّةب غير المُحدَّدِ بوضوح بينّ الجانِبيَن، وتَتَسبَّبُ الأنهار والبحيرات والقِمَمُ الجليدية في تَغيِير الخطِّ الفاصلِ بينَ الجانِبَين بين الحِين والآخر، ما يُقرِّب الجنود من الدُّخول في مُواجهةٍ مباشرة.
وسَبَق أنْ خاضت الهند والصِّين اشتباكاتٍ مُتعدِّدةً، فقد شَهِد العام 1962 حربًا قصيرةً بينَ الطرَفين، انتهت باستيلاءِ الصِّين على أراضٍ هندية، وكانت الحدود في جبال االهيملاياب المتنازَع عليها ذَريِعةً رئيسيَّةً لِلحرب، وكان السَّببُ أيضًا هو النِّزاع على سِيادة المنطقتَين الحدوديَّتَين اأكسي تشينب و اأروناجال برديشب اللَّتين تفصل بينهما مسافاتٌ شاسعة.
وتملك اأكساي تشينب، التي تَزعُم الهند أنّها تنتمي إلى اكشميرب، وتزعم الصين أنّها جزءٌ من اشينجيانغب، طريق ربطٍ مُهمٍ يصل بين منطقتَيّ االتبتب وبشينغيانغ الصينيةب، وكان بِناء الصين لهذا الطريق أحدَ مُسبِّبات الصراع.
ولمْ يستمر الهدوء طويلًا بينَ البَلَدَين، فقد اندلعت اشتباكاتٌ عام 1967 أَوقعَت قتلى، كانت اشتباكات اناثو لا وشو لاب، المعروفةِ أيضًا باسم الحرب الصِّينية الهِنْدية الثانية أو الحرب الهِنْدية الصِّينية الثانية، سلسلةً من الاشتباكات العسكريَّة بين الهند والصين على طول حدود امملكة سيكيمب في جبال الهيمالايا، التي أصبحت لاحقًا مَحْمِيَّةً هندية.
ومن ثم وَقَعت حادثةُ إطلاق نارٍ بين الصين والهند عام 1975 خَلَّفت أربعة قتْلى، إلى جانب وقوع اشتباكات مُتقطِّعة، لكنَّها لم تَتَجاوزْ هذه الحصيلة الأعلى، وما سَبَقها من الحرب الصِّينية الهندية الثانية. وفي عام 2017، وقعت مُواجهةٌ بين الصين والهند استمرت 72 يومًا، وذلك بعد دُخول قواتٍ صينيةٍ هَضَبة ادوكلامب المُتنازَع عليها، والواقعة على الحدود بين البلَدَين.
وأمام هذا النِّزاع التَّاريخيّ، سَعَتْ السلطات الهندية والصِّينية في السنوات الأخيرة إلى تَهدئة الأوضاع والتوتر الحدودي، إلى أن وَقَعت المُواجهة المُسلَّحة الأخيرة في حزيران/ يونيو 2020، والتي أدَّت إلى مَصرَع 20 عسكريًا هنديًا، فيما لم تعلن الصين -كعادتها- عن حصيلةِ قتلى جنودها.
ووَقَع الحادث ليلًا في اوادي جالوانب بمنطقة الاداخب الواقعة في جامو وكشمير، الجزء الخاضِع للهند من إقليم كشمير المُتَنازَع عليه، وهو المَوقِع الذي شَهِدَ وقوع مناوشاتٍ بين الجانبين حديثًا، وسبقت هذه المواجهة المسلحة بشهرٍ واحدٍ فقط مناوشاتٌ بين حرس حدود البَلَدَين في منطقة الداخب، وذلك بسبب اعتراضِ الجيش الصيني على قِيام القوات الهندية بدورية في المنطقة، وأظهرت مَشاهِد قِيامَ جنود البلدَين بِلَطْم بعضهِم البعض والتَّراشُقِ بالحجارة.
وتبادلت القوات الصِّينيَّة والهِندية في الأسابيع الأخيرة عمليات إطلاق النار في منطقةٍ مَنزوعة السلاح، وتحديدًا في الجزء الغربيّ من الحدود الصِّينية الهندية، وسارعت ابكينب إلى توجيه الاتّهام إلى انيودلهيب، وأنَّ القوات الهندية أطلقت الأعْيِرَة النارية تجاه الحرس الصيني الذي كان يتقدم بهدف إجراء مفاوضات.
بالمقابل، رَفضت السلطات الهندية هذه الاتّهامات، وتحدثت عمّا أسْمَته االأَنْشِطة الصِّينية الاسْتِفزازيَّة بهدف التصعيدب، وجدَّدَت التزامَها بتهدِئة الأوضاع عند اخط السَّيطرة الفِعليب، ودَفْع النِّزاع التَّاريخي المتكرِّر بين الهند والصِّين إلى مُحادثات مُكثَّفة تُجَنِّب البَلَدَين مَخاطِر حربٍ جديدة، واتَّفقا في 22 أيلول/ سبتمبر على عدم إرسال المزيد من القوات إلى حدودِهما المُتنازَع عليها، وتَفادِي أيَّة أعمالٍ من شأنها أن تُفاقِم الوضع الميداني.
ورغم الاتِّفاق الأخير، يبدو أنَّ الخِلافات الحدودية ستبقى حاضرةً أمام البلَدَين لسنواتٍ قادِمة، على اعتبار أنَّ المُنافسَة بينهما اشتعلت من جديد بعد أزمة فيروس كورونا المستجد اكوفيد-19ب؛ لمحاولة الهند كَسْب ثِقة المستثمرِين والشَّركات العالمية المُتواجِدة بالصين، والتي تُفكِّر بشكلٍ جديٍّ في نقل خطوط إنتاجها إلى أماكن أكثرَ أمنًا.



