مقالات

السياسة الراهنة للصين تجاه القضية الفلسطينية ودور العامل الإسرائيلي

جــواد الحمــد - رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط

السياسة الراهنة للصين تجاه القضية الفلسطينية ودور العامل الإسرائيلي

  • جــواد الحمــد

رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط

مقدمة

تتناول هذه الورقة سياسة الصين الراهنة تجاه القضية الفلسطينية، وتركز على دور تنامي العلاقات الصينية-الإسرائيلية كمحدد مهم لهذه السياسات، وتفحص اهم أسس ومكونات سياسات الصين تجاه التعامل مع النضال الفلسطيني والقضية الفلسطينية واشكالاتها في التعامل مع اعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي، واتداه الصين لمحاولة طرح مواقف وسيطة بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني في مختلف مبادراتها السياسية لحل الصراع في المنطقة، وخاصة المبادرة التي اعلنها الرئيس عام 2013 والتي اعلنها وزير الخارجية 2021 في مجلس الامن الدولي.

وتكشف الورقة انه رغم ان اللغة السياسية الصينية تشكل حالة صديقة للشعب الفلسطيني متقدمة على مختلف الدول الكبرى إلى جانب روسيا، غير أنها في المقابل لا تذهب إلى حد اتهام إسرائيل كدولة راعية للإرهاب كما يرى الفلسطينيون، وذلك رغم الاعمال الإرهابية التي يمارسها الجيش والشرطة والمستوطنين الاسرائيليين ضد الفلسطينيين بشكل ممنهج ومتواصل، ولا تقوم بإجراءات عملية اقتصادية او غيرها للضغط على اسرائيل وتلقي اللوم في ذلك على الولايات المتحدة، ويبقى هامش البعد الإنساني والاقتصادي والمطالبة بحل عادل وسلام وفق الشرعية الدولية في اطاره العام وفي اطار عملية السلام الجارية، وبالتفاوض بين الطرفين، ليتفق الطرفان على تقديم تنازلات، ولإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 إلى جانب دولة اسرائيل، حسب الخطاب الصيني الرسمي.

ويشكل تنامي العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين إسرائيل والصين تحدياً كبيراً أمام أي تقدم عملي في هذه السياسة لصالح الشعب الفلسطيني، وبذلك ورغم تعدد محددات السياسة الصينية الأخرى تجاه القضية الفلسطينية، غير أن العامل الاسرائيلي تمكن من إقامة حالة تشابك المصالح الاقتصادية والتقنية منها خاصة بما فيها على المستوى العسكري مع الصين أصبحت مصلحة استراتيجية للصين تحد من تقدم سياستها تجاه فلسطين أكثر من ذلك.

وفي المقابل ورغم التشابك الاقتصادي المميز بين الصين والعديد من الدولة العربية والاسلامية والذي تنامى بعد “مبادرة الحزام والطريق” الصينية BRI، غير أن العلاقات مع اسرائيل لا تزال تشكل وزناً كبيراً ومتنامياً، بل واستدعت مضاعفات التبادل السياحي وخاصة للشباب الصيني في زيارته لإسرائيل.

وبالتالي وعلى المدى أصبحت العلاقة محدداً حاكماً للمدى الذي يمكن للصين أن تذهب إليه في دعمها للقضية الفلسطينية أو في الضغط على اسرائيل أو معاقبتها على سلوكها غير الملتزم بالقانون الدولي أو الإنساني. وستتناول الروقة هذه الأطروحة عبر عرض ملامح السياسة الصينية الراهنة تجاه القضية الفلسطينية.

أولا: ملامح سياسة الصين الراهنة تجاه القضية الفلسطينية

  • اهم أسس سياسة الصين تجاه القضية الفلسطينية
  1. السياسة الحذرة لتبقى طرفاً مقبولاً من جميع الأطراف، وإلا تعتبر منحازة لأي طرف، ولا يستطيع اي طرف رفضها.
  2. الاقتراب من اسرائيل اقتصادياً في مجالات التكنولوجيا والدفاع والاستثمار والتعليم والطرق والنقل، بعيداً عن الايديولوجيا، والتفاعل مع السلطة الفلسطينية دبلوماسياً وسياسياً.
  3. تبني مظلمة الشعب الفلسطيني، وإدانة سياسات اسرائيل في الاحتلال والانتهاكات والتوسع الاستيطاني وهدم البيوت والعدوان المسلح على غزة.
  4. التوازن بين الاطراف والاحتماء بالإجماع الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الملتزم بالشرعية الدولية.
  5. تبني حل الدولتين بالانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.
  6. تبني مبادرة للسلام عام 2013، وتشمل: التوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة تتعايش مع اسرائيل بسلام، وتتمتع بسيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والاستعداد المشترك من الجانبين عبر التفاوض للوصول إلى منتصف الطريق بينهما ووقف بناء المستوطنات وإنهاء اعمال العنف ضد المدنيين الابرياء، ورفع الحصار عن قطاع غزة، ومعالجة مسالة السجناء الفلسطينيين، كخطوات ضرورية لاستئناف المفاوضات. واحياء مبدأ الأرض مقابل السلام، والنتائج التي تم التوصل اليها سابقاً، والمبادرة العربية وقرارات الامم المتحدة. وأن يوفر المجتمع الدولي الضمانات اللازمة للتقدم بعملية السلام ويتحمل مسئولية ذلك، ودعم الفلسطينيين في المجالات الإنسانية والموارد البشرية والتنمية الاقتصادية والتدريب. 

 

 

  • اهم مكونات السياسة الصينية الراهنة تجاه القضية الفلسطينية

1-  دعم القضية الفلسطينية كقضية عادلة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

2- حفظ علاقات الصين مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس على الجانب الدبلوماسي والسياسي. واستمرار إدانة اجراءات اسرائيل الاحادية كالاستيطان وهدم البيوت والعنف، وبما يعطي الصين الحضور الأكثر قبولاً من حضور الولايات المتحدة في ظل الصراع القيادي الدولي بينهما، وبما يعطي الصين صورة أفضل بالنظر إلى سجلها السلبي غربياً ولدى منظمات الحقوق الدولية تجاه حقوق الإنسان.

3- محاولة التوسط بحلول وسيطة مع احترام العامل الإسرائيلي الجدلي والحاكم لأي اتجاهات تطور لهذه العلاقة، بحكم اعتبارات المصالح المشتركة

5- دعوة الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها لدى اسرائيل لوقف اعمال العنف ضد قطاع غزة نهائياً.

  • محددات السياسة الصينية الراهنة تجاه القضية الفلسطينية 
  • تطورات القضية الفلسطينية والعلاقات الداخلية الفلسطينية
  • تداعيات الفعل الفلسطيني المقاوم الشعبي والدبلوماسي والمسلح ضد اسرائيل
  • الاجراءات الاسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني
  • العامل الاقتصادي الصيني ومدى حاجته لإسرائيل
  • حضور البعد التاريخي للسياسة الصينية تجاه القضية
  • طبيعة العلاقات العربية-الصينية وموقع القضية الفلسطينية في السياسة العربية تجاه الصين
  • مدى النشاط الدبلوماسي العربي والفلسطيني في بكين تجاه مواطن القوة في قيادة الحزب الشيوعي الحاكم وقطاعاته الشبابية على وجه الخصوص، ومدى نجاحه

  • إشكالية السياسة الصينية في التعامل مع أعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي

على الرغم من دعم الصين السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية، وتقديم مبادرات تقترب من المواقف الفلسطينية والعربية الرسمية، غير أن الصين اصبحت لا تؤيد اعمال المقاومة المسلحة بوصفها اعمال عنف وتصعيد حسب التعبير الصيني، وتدعو إلى ضبط النفس واللجوء إلى المفاوضات السياسية من قبل الطرفين، تماماً كما تطالب بإقامة دولة فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967.

وإقامة الصين اتصالات مع حركة حماس التي تقود خط المقاومة المسلحة ضد اسرائيل حالياً، وذلك بوصفها حركة غير ارهابية، غير أن القانون الصيني لمكافحة الارهاب لم يشر إلى استثناء المقاومة الفلسطينية خصوصاً من الوصف الذي تبناه.

ولذلك فإن هذه المسألة لا تزال بحاجة إلى مقاربة وحوار مباشر مع الصين من قبل الأطراف الفلسطينية المعنية، بهدف تطوير موقف الصين الحالي على هذا الصعيد.

  • اللغة السياسية الصينية في النشاط السياسي والدبلوماسي

تشكل لغة الصين الدبلوماسية والسياسية حالة صديقة للشعب الفلسطيني متقدمة على مختلف الدول الكبرى إلى جانب روسيا، وربما وقفت إلى جانبه في العديد من المحطات في السلوك التصويتي في الأمم المتحدة، فرغم تبني الصين لمعاناة الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية والعربية المختلفة، لكن اهتمامها الاقتصادية الاستراتيجية في الشرق الاوسط، تشكل عقبة أمام تجاوز حالة التعبير واللغة القوية إلى الفعل المباشر اقتصادياً أو سياسيا، بل والا تطالب بذلك ضد اسرائيل، وهي احدى المكاسب الاسرائيلية المهمة في علاقاتها بالصين إضافة إلى الجوانب الاقتصادية، لتتحول الصين من منحاز بالكامل إلى صديق للقضية الفلسطينية.

ثانيا: تنامي العلاقات الصينية-الاسرائيلية كمحدد مهم لهذه السياسات 

تنامت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين من حوالي 1.00 بليون دولار عام 2000 إلى 11.2 بليون دولار عام 2019 ليصفها نتنياهو “بالزواج الذي تم في السماء” كمعجزة ، وفي عام 2021 تعتبر الصين الشريك الثاني التجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة ، كما تمثل اسرائيل مفتاحا مهما لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية العملاقة على البحر المتوسط، علما بأن التعاون الصيني الاسرائيلي ركز اكثر من 5.7 بليون دولار على شكل استثمارات صينية في القطاع التكنولوجي الاسرائيلي ، وكذلك في إنشاء جزء من سكك الحديد للقطار الخفيف بتل ابيب، وادارة ميناء حيفا واعادة بناء ميناء اسدود اعتباراً من عام 2021 ، ناهيك عن تقديم اسرائيل منتجات تكنولوجيا عسكرية حساسة للصين ايضا ضمن التبادل التكنولوجي والتجاري العسكري بين الطرفين، ما استلزم احتجاج الولايات المتحدة.

وفي المقابل اتخذت الصين قراراً بمنع مواطنيها من العمل في المستوطنات “غير الشرعية ” في الضفة الغربية منذ عام 2017، لكن شركات المقاولات الصينية تنفذ وستنفذ مشاريع عملاقة في البنية التحتية الاسرائيلية كما ذكر آنفًا.

ويشكل تنامي العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية بين إسرائيل والصين تحديا كبيرا أمام أي تحول في هذه السياسة لصالح الشعب الفلسطيني، كما أن التعريف الصيني للإرهاب لا يستثني المقاومة الفلسطينية من الوقوع تحت بنوده، باعتبارها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، وبذلك ورغم تعدد محددات السياسة الصينية الأخرى تجاه القضية الفلسطينية مثل العامل الامريكي، وتطورات القضية الفلسطينية، والوضع الداخلي الفلسطيني، والموقف العربي من القضية وتطوراتها سلبا وايجابا، وتطورات التنمية الاقتصادية في الصين، غير ان العامل الاسرائيلي  تمكن من التربع على \دور اساسي على هذا الصعيد.

وفي المقابل ورغم التشابك الاقتصادي المميز بين الصين والعديد من الدولة العربية والاسلامية والذي تنامى بعد “مبادرة الحزام والطريق” الصيني BRI، غير أن العلاقات مع اسرائيل لا تزال تشكل وزناً كبيراً متنامياً. ورغم أن التبادل التجاري العربي-الصيني يبلغ 266 مليار دولار تقريبا عام 2019 ، منها 120 مليار صادرات صينية إلى الدول العربية (ويشكل التبادل التجاري بين الصين والعرب اكثر من 22 ضعف التبادل مع اسرائيل)، كما أن واردات الصين من العالم العربي تتركز في النفط والغاز إضافة إلى إيران الدولة المسلمة لتشكل بمجموعها اكثر من 70% من حاجة الصين للطاقة، وهو ما لا تقدمه اسرائيل، وتصل الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية حوالي 142 بليون دولار (بمعدل 17 ضعف استثماراتها في اسرائيل)، بل إن التبادل التجاري العربي يتفوق على حجم التبادل الصيني مع افريقيا بكاملها والذي يبلغ 208 مليار عام 2019.

ومع ذلك فان علاقات الصين مع اسرائيل حدت من المدى الذي يمكن للصين أن تذهب إليه لتقف إلى جانب النضال والمقاومة الفلسطينية وضد الإرهاب والعدوان الإسرائيلي اليومي على الشعب الفلسطيني. حيث جعلها لا تذهب إلى حد إدانة إسرائيل وانتهاكاتها الصارخة ضد الفلسطينيين “كدولة راعية للإرهاب” كما يرى الفلسطينيون مثلاً، ولم يتحول موقف الصين المساند للحق الفلسطيني إلى برنامج عمل محدد لطبيعة تطورات العلاقات الصينية -الاسرائيلية، أو النجاح بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الارض المحتلة، وكذلك في عدم نجاح السياسة الصينية بفرض نفسها وسيطاً مقبولاً في الصراع الفلسطيني -الاسرائيلي لدى الجانب الاسرائيلي كما هي لدى الجانب الفلسطيني، رغم تقديمها لمبادرات وسطية منذ العام 2013 والتي كررتها الصين في أعوام 2016  وأخيراً في 12 مايو 2021، وهي الرئيس الدوري لمجلس الامن الدولي حاليا.

ويبقى الهامش الصيني متحركاً في البعد الإنساني والاقتصادي، والمطالبة بحل عادل وسلام دائم وفق الشرعية الدولية في إطاره العام وفي إطار عملية السلام والمفاوضات كأساس لجميع المواقف الصينية تجاه القضية الفلسطينية، ولا يمكن التقليل من شأن هذه المواقف بتاتاً في ظل التعنت الدولي والامريكي على وحد الخصوص، غير أن الورقة حاولت فتح الآفاق لفرص مستقبلية لتحريك الموقف السيني وزحزحته باتجاه الممارسة العملية الأكبر لتحقيق أهداف النضال الوطني الفلسطيني بالتحرير والعودة، وهذا لا يمنع التفكير الجاد بتطوير العلاقات مع الصين وسياستها حتى في هوامشها المتاحة حالياً والتي فيها فرص لا تزال غير مستغلة كما سيأتي لاحقا.

ثالثا: السيناريوهات المحتملة لتطور السياسة الصينية تجاه القضية الفلسطينية 

1- استمرار السياسة الحالية بدرجات مترددة حسب المتغيرات الجارية

2- تطور السياسة الصينية نجو دور فاعل، ولكن كشريك إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى قاعدة التفاوض والحلول الوسط لإقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967

3- تراجع الصين عن بعض السياسات الراهنة لصالح الابتعاد عن القضية أكثر لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية تتعلق بعلاقاتها بالولايات المتحدة واسرائيل.

  • العوامل الحاكمة لحركة هذه السناريوهات المحتملة
  • مدى حضور القضية الفلسطينية في معادلة العلاقات العربية-الصينية المتنامية
  • قدرة اسرائيل على توسيع نطاق وقيمة التبادل التجاري مع الصين وخاصة في المجالات ذات البعد الاستراتيجي والعسكري
  • قدرة الجانب الفلسطيني على تطوير الوقائع على الأرض بالمقاومة المسلحة والشعبية الموحدة لتصل بإسرائيل إلى حد الاستنزاف، الأمر الذي يؤثر حكماً على الاقتصاد الاسرائيلي وبالتالي على مصالح الصين فيه
  • تصاعد الخلاف الامريكي الاسرائيلي ازاء تقدم علاقات اسرائيل مع الصين في الجوانب التكنولوجية والعسكرية خاصة
  • تطور حضور القضية الفلسطينية في مفاصل الحزب الشيوعي الصيني عبر برامج عربية مكثفة وخاصة للأجيال الشابة والواعدة خلال العقد القادم، بما يجعل من العلاقة مع اسرائيل عبئا على الفكر والموقف والسياسة والقيم الشيوعية الصينية للأجيال الجديدة، خاصة مع النجاح بتعديل الصورة بين الروايتين.

رابعا: الخلاصة والتوصيات والمقترحات

يتضح من خلال عرض الورقة أن الصين في سياساتها الراهنة تمثل حالة صداقة عامة للقضية الفلسطينية للشعب الفلسطيني، ولكنها في نفس الوقت تتقدم باتجاه تشكيل حالة صداقة ذات مصالح استراتيجية معتبرة مع الجانب الاسرائيلي، وأنها اسرائيل تسعى لتجد لها مداخل مهمة لتحقيق حالة من الاستقرار في فكر الحزب الشيوعي الصيني وسياساته وخاصة في الاجيال القيادية القادمة.

كما تبين الورقة أن الجانب العربي لم يعمل حتى الآن على استثمار علاقاته الاقتصادية الحيوية والاستراتيجية للاقتصاد الصيني في خدمة القضية الفلسطينية، أو أن يجعل من العلاقات الصينية الإسرائيلية عبئا على مكتسبات الصين الاقتصادية من الجانب العربي، بل إن النشاط الدبلوماسي العربي والفلسطيني في الصين لا يزال ضعف بكثير من النشاط الدبلوماسي لإسرائيل، كما يجعل تطور علاقات الصين بإسرائيل امراً يسيراً بلا احتجاج.  خاصة في ظل 17 عاما من العمل المشارك على مختلف المستويات عبر منتدى التعاون العربي الصيني، وكذلك عبر مشاركة الدول العربية في “مبادرة الحزام والطريق” BRI الصينية عبر الشرق الاوسط في غرب آسيا وشمال افريقيا.

وبذلك فإن العامل الاسرائيل لا زال عاملاً مهماً وفاعلاً في التأثير على سياسات الصين تجاه القضية الفلسطينية رغم أنه لا يتماهى من السياسة الإسرائيلية بل ويقف إلى جانب المطالب العربية والفلسطينية الرسمية في موقف متقدم عن مجمل الدول الكبرى الخمس.

من جهة أخرى فإن اسرائيل تعض النظر عن مواقف الصين الداعمة للقضية الفلسطينية، وتغض الطرف عن العلاقات الاستراتيجية بين الصين وإيران، لكن توسيع علاقاتها الاقتصادية واستفادتها من الخبرات والقدرات الصينية العملاقة سوف توصل الصين إلى لحظة أن تختار بين اسرائيل من جهة وإيران والقضية الفلسطينية من جهة أخرى حسب بعض المحللين. في مقابل تقديرات أخرى التي تثير التساؤل من زاوية أخرى وبالاتجاه العكسي، وهل سيأتي يوم تصل فيه اسرائيل إلى مرحلة الاختيار بين الصين والولايات المتحدة خلال العقدين القادمين حتى عام 2040.

وهذا لا يعني أن تأثير العامل الاسرائيلي السلبي على سياسة الصين تجاه القضية الفلسطينية قد أصبح واقعاً غير قابل للتغيير، إنما لا بد من إدراك حجم هذه الإشكالية من الطرفين الصيني والفلسطيني ـوالبدء بالعمل على تحييدها على الأقل من سياسة الصين الداعمة تاريخيا للنضال الفلسطيني، واسترجاع الموقف المبدئي للصين تجاه الشعب الفلسطيني ولو بحده الادنى، بما في ذلك استثناء المقاومة الفلسطينية من تعريف الارهاب في المنظومة القانونية الصينية وفي بيانات منتدى التعاون العربي-الصيني كمدخل لتمييز المقاومة عن الارهاب في الدول الأخرى، واعتبارها حركة دفاع عن النفس ومقاومة مشروعة من أجل التحرر من الاحتلال العسكري.

وتقترح الورقة ختاماً مشروعاً واسعاً لتطوير الدور الصيني في المجالات الإنسانية والاقتصادية كما في السياسية لصالح القضية الفلسطينية إلى حين تطوير هذه السياسة لمربعات أكثر تقدماً، حيث تعطي ورقة السياسة الصينية تجاه العالم العربي ومشروع الصين للسلام بالنقاط الاربع لعام 2013 وعام 2021، ووثائق منتدى التعاون العربي الصيني فرصة لفتح هذه المجالات بذكاء وحكمة، كانعكاس لموقف الصين الإنساني والداعم لعدالة القضية على وجه العموم، والداعي إلى إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال.

ولذلك فإنه لا بد من تحويل مواقف الصين الداعمة للقضية سياسياً إلى حقائق على الأرض تخدم الشعب الفلسطيني وقضيته في وجه العدوان الاسرائيلي والحصار والتوسع الاستيطاني المستمر، في مقابل الانحياز الاميركي الكامل لإسرائيل، والابتزاز الأميركي للفلسطينيين في المجالات الإنسانية والمساعدات.

وأهم هذه المقترحات:

  • تشجيع الصن على تقديم مساعدات مباشرة إنسانية واقتصادية للشعب الفلسطيني، والتعاون في مجالات البنية التحتية –التعليم والصحية والطرق والنقل والمطار-
  • دعوة الصين لتطوير موقفها من الاستيطان بمقاطعة بضائع المستوطنات ما دامت تعتقد أنها غير شرعية ومقاطعة الشركات التي تعمل فيها
  • تفعيل السياحة الشبابية الصينية الى فلسطين (الضفة والقطاع والقدس والاراضي المحتلة عام 48) بترتيبات شركات سياحة فلسطينية -صينية مشتركة
  • التأكيد الصين على أن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال لا تقع ضمن دائرة أعمال الارهاب
  • ربط التعاون الاقتصادي والاستثمار في إسرائيل بمدى التزام اسرائيل بالقانون الدولي في تعاملها مع الفلسطينيين
  • التأكد من أن أي عقود اقتصادية أو تجارية مع اسرائيل لا تؤثر على وضع الاراضي المحتلة لعام 1967 ولا على أوضاع وحقوق الشعب الفلسطيني في أراضي عام 48
  • توسيع التعاون مع السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع في المجال الصحي، ومكافحة الأوبئة والأمراض السارية، والدعم بالخبراء وتدريب الكادر الطبي، وفتح التعليم المهني الطبي في الصين للكوادر الفلسطينية.
  • فتح مركز ثقافي فلسطيني في بكين والمدن الكبرى الأخرى بدعم من الحكومة الصينية للتعريف بالقضية بالطرق الحديثة والامكانات المناسبة، وإعلان فلسطين الضيف الرئيسي على الأيام الثقافية في الصين.
  • فتح برامج وثائقية للرواية الفلسطينية في الاعلام الصيني، بما في ذلك عرضها في مراكز الشباب ومعسكرات العمل الشيوعي
  • التعاون في إنتاج الافلام الوثائقية الفلسطينية باللغة الصينية لدعم القضية وتبرير موقف الصين بعدالة القضية ومشروعية النضال لتحقيق العدالة وإقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك التعاون الاعلامي بهذا الخصوص
  • بناء علاقات قوية بين المراكز الثقافية والتعليمية ومراكز البحث العلمي وتبادل الباحثين لتحقيق هذه الغايات
  • تشجيع السياحة الصينية ببرامج منظمة وحديثة لتطوير سياحة الصينيين إلى الاراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948
  • تشجيع قطاع الأعمال للاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني، والاستثمار في الموارد البشرية الفلسطينية والموارد الطبيعية المتاحة من قبل رجال الأعمال الصينيين، بما في ذلك الاستثمار في السياحة والتنمية.

جــواد الحمــد

رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button