العرض الصيني لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين: التوقيت، الفرص، التحديات
د. علي حسن أبو رزق كاتب وباحث فلسطيني مهتم بالعلاقات الدولية
العرض الصيني لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين: التوقيت، الفرص، التحديات
د. علي حسن أبو رزق
كاتب وباحث فلسطيني مهتم بالعلاقات الدولية
كشفت الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي في آذار/ مارس من العام 2021 إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي شملت ست دول، عن طموحات أكبر لبيجين في منطقة الشرق الأوسط عمومًا والمنطقة العربية على وجه الخصوص. تبلورت هذه الطموحات في عرض وزير الخارجية الصيني لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. العرض الصيني لاستضافة المحادثات بين الجانبين لم يأت في إطار توجيه رسالة للولايات المتحدة والعلاقة التنافسية بينهما فقط ولكن تعبيرًا عن توجه صيني واضح للانخراط بعمق في قضايا الشرق الأوسط كجزء لا يتجزأ من سعيها للوصول إلى الموارد والأسواق العالمية ومناطق التأثير الاقتصادي والسياسي. تبحث هذه الورقة توقيت توجيه الدعوة الصينية لاستضافة المحادثات والتي جاءت بعيد تقارير عن مخطط أمريكي لانسحاب تدريجي من منطقة الشرق الأوسط وفرص نجاح مثل هذه الدعوات والأهم، التحديات التي تواجهها.
التوقيت:
جاء العرض الصيني لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تزامنًا مع مجموعة من الأحداث والتطورات الجيوسياسية الهامة والحساسة في المنطقة والعالم وأهمها مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام ٢٠١٣ وأدمجتها في دستور جمهورية الصين الشعبية عام ٢٠١٧.
المبادرة أيضًا تأتي في خضم ضغط دولي غير مسبوق – من الولايات المتحدة خصوصاً – على الصين على وقع تقارير متكررة عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الإيغور، إذ تسعى مثل هذه المبادرات لحرف الضغط الدولي عن الصين، ولتكذيب الرواية الأمريكية في هذا السياق وتصويرها أنها مجرد محاولة ابتزاز، عبر التذكير المتكرر من قبل الناطقين الرسميين للحكومة الصينية أن الفلسطينيين هم أيضًا – كما الإيغور- مسلمين ومعاناتهم مستمرة من الاحتلال الإسرائيلي وإذا كان هناك سعي أمريكي حقيقي لرفع المعاناة عن الإيغور والاهتمام بحقوقهم الاجتماعية والمدنية والسياسية، فليظهر هذا الحرص على الفلسطينيين بنفس القدر. هذه المزايدات تكررت وقت الفيتو الأمريكي لمقترح صيني في مجلس الأمن للخروج بقرار يشجب المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، ضد الأطفال على وجه الخصوص، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يِنغ: “بينما الولايات المتحدة تزعم أنها تهتم بحقوق الإنسان للمسلمين، فإنها لا تعير اهتماما بمعاناة الشعب الفلسطيني”.
الفرص:
لا شك أن دخول دولة بحجم الصين على خط الوساطات في منطقة صراعات مثل الشرق الأوسط يعطيها زخمًا سياسيًّا كبيراً ويزيد من وزنها على المستوى الدبلوماسي الدولي بعد تراجع واضح للسياسة الأمريكية وفشلها في إيجاد حلول لأزمات المنطقة وفي القلب منها القضية الفلسطينية والتي تبدي فيه انحيازًا واضحًا للجانب الإسرائيلي، أفقدها المصداقية والموثوقية لطرح مبادرات تعيد الجانبين إلى طاولة المفاوضات، أضف إلى ذلك الفشل الأمريكي المتكرر في ممارسة ضغط حقيقي على الجانب الإسرائيلي للتوقف عن سياساته العنصرية والتوسع الاستيطاني في منطقة الضفة الغربية والقدس، وإطلاق سراح أسرى من ذوي المحكوميات والأعمار العالية.
فالفرص التي تتشكل في هذا السياق تخدم الصين في المقام الأول وهي أيضًا فرصة للجانب الفلسطيني من حيث إيجاد بيئة محايدة لاستضافة مثل هذا المحادثات، وفرصة للعالم العربي الذي يمكن أن تتعامل معه الصين من منطق الشريك السياسي والاقتصادي وليس التابع والمنفذ لسياساتها كما الجانب الأمريكي.
وكونه فرصة للفلسطينيين، فإن إدارة ملف الوساطة والمفاوضات من دولة تعد تاريخيًا من الداعمين للحق والنضال الفلسطيني لا شك أن الفلسطينيين سينظرون له بدرجة عالية من الارتياح، حتى وإن لم يصل مستوى الدعم الصيني للقضية الفلسطينية في هذه السنوات ما كان عليه من فترة ذهبية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. إلا أن الصين – كوسيط محتمل – ستسلك طريقًا محايداً لحل الصراع ولن تكون داعماً لأحد الطرفين كما هو الحال مع الولايات المتحدة والتي تقدم دعمًا غير محدود على جميع المستويات لإسرائيل.
التحديات:
هناك مجموعة من التحديات التي تواجه دعوات الصين لأن تقود ملف الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين:
1. حالة الرفض الإسرائيلي لأي وساطة لا تكون للولايات المتحدة اليد العليا في إدارتها: إذ كانت ولا زالت الولايات المتحدة داعمًا قويًا لإسرائيل وسياساتها الاحتلالية والعنصرية في الأراضي الفلسطينية، وليس آخرًا، الفيتو الأمريكي ضد ثلاث مسودات لقرارات في مجلس الأمن لوقف “أعمال العنف” في الأراضي الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة في مايو ٢٠٢١، وكانت الصين إحدى الدول الثلاث (الصين وتونس والنرويج) التي أعدت المسودات الثلاث.
- تأتي دعوة الصين لاستضافة المحادثات على مقترح حل الدولتين والذي أُفشل إسرائيليًا قبل أن تزول أسباب نجاحه بعد فرض الكثير من الوقائع من إسرائيل على الأرض. وذلك عبر التوسع الاستيطاني الذي التهم أغلب أراضي الضفة الغربية وحول المدن الفلسطينية هناك إلى ما يشبه الكانتونات.
- إن الطروحات الصينية والعلاقات الصينية الفلسطينية لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الدراماتيكية في الجانب الفلسطيني وصعود حركات المقاومة وتصدرها للمشهد العام منذ عام ٢٠٠٦. هذه التحولات الداخلية وآخرها تلك التي أحدثتها حرب غزة ٢٠٢١ أو ما يعرف ب “معركة سيف القدس”، صعّدت من أسهم حركة حماس وموقفها في الشارع الفلسطيني، الأمر الذي يستدعيمن القوى العالمية وعلى رأسها الصين إعادة النظر في علاقاتها في الداخل الفلسطيني.
- غياب عنصر الضغط والتأثير الصيني على الجانب الإسرائيلي وهو يتمثل في انعدام الحاجة الإسرائيلية للدعم المالي الصيني أو التقنيات والصناعات العسكرية الصينية بعد اكتفاء الجانب الإسرائيلي من الصناعات الأمريكية عالية الجودة. والأهم، أن هناك حاجة صينية لمنتجات إسرائيل التقنية والإلكترونية بعد التطور الملحوظ الذي شهدته تل أبيب في العقدين الأخيرين وجعلها من أهم المصدرين لتلك التقنيات، وخصوصا تقنيات التجسس وملاحقة المعارضين، لعدد لا بأس به من دول العالم.
- غياب الخبرات الصينية في إطار الوساطة والمفاوضات في ملف الصراع العربي “الإسرائيلي” ودخولها المفاجئ على هذا الملف، ناهيك عن استمرار العقدة الصينية التي تتمسك بسياسة “عدم معاداة أي طرف” والتي تضعف تأثيرها على طرفي الصراع ولا تتناسب مع نفوذها وحجمها في السياسة الدولية مما قد يقوض فرصها الرامية للتوسط في نزاع تاريخي ومعقد مثل القضية الفلسطينية.


