مقالات

الهند.. علاقة تاريخية خسرناها!

بقلم: مفاز أحمد يوسف - باحث دكتوراه في العلاقات الدولية

بعد‭ ‬زيارةِ‭ ‬رئيسُ‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭ ‬ناريندرا‭ ‬مودي‭ ‬الإسرائيلب‭ ‬وقيام‭ ‬نظيرِه‭ ‬انتنياهوب‭ ‬بردِّ‭ ‬الزيارة‭ ‬للهند،‭ ‬ومع‭ ‬حجمِ‭ ‬التَّرحيب‭ ‬والاتفاقات‭ ‬التِّجارية‭ ‬التي‭ ‬عُقِدت‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬خرجت‭ ‬التَّساؤلاتُ‭ ‬عن‭ ‬سِرِّ‭ ‬هذا‭ ‬التَّحولِ‭ ‬والانفتاحِ‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الهند‭ ‬تجاه‭ ‬دولةٍ‭ ‬مارقةٍ‭ ‬اكإسرائيلب،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬مِنظارِ‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقةِ‭ ‬عدوٌ‭ ‬للأمَّتين‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وكيف‭ ‬تجرَّأ‭ ‬َبموديب‭ ‬بأخذِ‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬وهي‭ ‬البلدُ‭ ‬الذي‭ ‬تربطه‭ ‬بالدُّول‭ ‬الخليجيةِ‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجيَّة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬خسارتها؛‭ ‬لأنها‭ ‬تعني‭ ‬عائداتٍ‭ ‬ماليةً‭ ‬بالمليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وملايين‭ ‬من‭ ‬العمالةِ‭ ‬الهنديةِ‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التَّعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬مثلَ‭: ‬الإمارات،‭ ‬والسُّعودية‭ ‬والكويت‭!.‬

السُّؤالُ‭ ‬المُثير‭ ‬للحيرةِ‭ ‬والاستغراب‭: ‬هل‭ ‬اطمأنَّ‭ ‬مودي‭ ‬بأنَّ‭ ‬الموقفَ‭ ‬في‭ ‬الخليجِ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬عدائيًا‭ ‬الإسرائيلب،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يخشى‭ ‬خسارتَه‭ ‬من‭ ‬وراءِ‭ ‬توسِعَةِ‭ ‬علاقاته‭ ‬التِّجاريةِ‭ ‬والعسكريةِ‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب؟‭ ‬وهل‭ ‬حفاوة‭ ‬الاستقبال‭ ‬الذي‭ ‬حَظِيَ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬بعدَ‭ ‬الانتهاءِ‭ ‬من‭ ‬زيارته‭ ‬الإسرائيلب‭ ‬كان‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬ذلك؟‭ ‬ولماذا‭ ‬غابت‭ ‬الدبلوماسيَّةُ‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬عن‭ ‬تحريكِ‭ ‬العالمِ‭ ‬العربيِّ‭ ‬والإسلاميِّ‭ ‬لرفضِ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬وبإسرائيلب‭ ‬والتي‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬حسابِ‭ ‬القضيَّةِ‭ ‬الفلسطينيَّة؟‭ ‬أسئلةٌ‭ ‬رُبما‭ ‬تجيب‭ ‬على‭ ‬بعضِها‭ ‬مجرياتُ‭ ‬الأحداثِ‭ ‬والتَّحولاتِ‭ ‬المتسارعةِ‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬كموجةِ‭ ‬التَّطبيعِ‭ ‬والهرولةِ‭ ‬السياسيةِ‭ ‬تجاه‭ ‬الكيانِ‭ ‬الصُّهيوني‭ ‬من‭ ‬دولٍ‭ ‬مثل‭: ‬الإمارات،‭ ‬والبحرين،‭ ‬ودول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطويعها‭ ‬أمريكيًا‭ ‬لِلَّحاقِ‭ ‬بقاطرةِ‭ ‬المُطبِّعين،‭ ‬دون‭ ‬أيِّ‭ ‬اعتبارٍ‭ ‬للحقوقِ‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬تنكرت‭ ‬لها‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬وأمريكا‭.‬

في‭ ‬الحقيقةِ،‭ ‬إنَّنا‭ ‬كفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬نلومُ‭ ‬الهندَ‭ ‬وحدَها‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬أنَّ‭ ‬مصلحتها‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬توطيدِ‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬ونتفهمُ‭ ‬أنَّها‭ ‬راعت‭ ‬مشاعرَنا‭ ‬ومشاعرَ‭ ‬المسلمين‭ ‬الهنود‭ ‬لسنواتٍ‭ ‬طويلة،‭  ‬ولم‭ ‬نلمس‭ ‬التَّغيرَ‭ ‬العلنيَّ‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬السنواتِ‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تولَّى‭ ‬اناريندرا‭ ‬موديب‭ ‬مقاليدَ‭ ‬الحكمِ‭ ‬عام‭ ‬2014م،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أولَ‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬يزورُ‭ ‬اإسرائيلب‭  ‬للاحتفالِ‭ ‬بمرورِ‭ ‬25‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬إنشاءِ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬الدُّبلوماسيَّةِ‭ ‬بين‭ ‬البلدَين،‭ ‬تلكَ‭ ‬الزيارةُ‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬انتنياهوب‭ ‬ببالتاريخيَّةب‭!‬،‭ ‬وعقد‭ ‬خِلالها‭ ‬صفقةً‭ ‬عسكريةً‭ ‬ضخمةً‭ ‬زوَّدت‭ ‬بموجبها‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬الهندَ‭ ‬بصواريخ‭ ‬مضادةٍ‭ ‬للدبابات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬اسبايكب،‭ ‬للأسف،‭ ‬لقد‭ ‬أحبطَ‭ ‬اموديب‭ ‬آمال‭ ‬الشعبِ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ذآنذاك‭- ‬بعدمِ‭ ‬زيارةِ‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬وتركَ‭ ‬هذا‭ ‬الأمرُ‭ ‬العديدَ‭ ‬من‭ ‬التَّساؤلات‭ ‬عن‭ ‬مكانةِ‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬السياسةِ‭ ‬الهندية‭ ‬الخارجية،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬إشارةً‭ ‬واضحةً‭ ‬لنا‭ ‬كفلسطينيين‭ ‬بأنَّ‭ ‬الهند‭ ‬لديها‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك،‭ ‬وقد‭ ‬صرَّحَ‭ ‬بها‭ ‬ابافان‭ ‬كابورب‭ ‬سفير‭ ‬الهند‭ ‬لدى‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬انشعر‭ ‬أنَّنا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬العملِ‭ ‬معهم‭ ‬مُستقلِّين‭ ‬عن‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وأنَّ‭ ‬زيارةَ‭ ‬رئيسِ‭ ‬الوزراء‭ ‬هي‭ ‬انعكاسٌ‭ ‬لذلكب‭.‬ت

وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬الحكومةَ‭ ‬الهنديةَ‭ ‬تداركت‭ ‬الموقفَ‭ ‬حين‭ ‬قام‭ ‬رئيسُ‭ ‬وزرائِها‭ ‬بزيارة‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬لاحقًا،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بثقلِ‭ ‬ولا‭ ‬حفاوةِ‭ ‬زيارتِه‭ ‬إلى‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬أو‭ ‬أنَّها‭ ‬جاءت‭ ‬كما‭ ‬نُسمِّيها‭ ‬اتبرِئة‭ ‬عتبب‭ .‬

إنَّ‭ ‬القضيةَ‭ ‬الفلسطينيةَ‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬التراجع،‭ ‬وأخذت‭ ‬تفقدُ‭ ‬ثقلَها‭ ‬في‭ ‬الهندِ‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬ترابطِ‭ ‬العلاقاتِ‭ ‬الهنديةِ‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تقاربًا‭ ‬مَلحوظًا‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مع‭ ‬ضعفِ‭ ‬أصواتِ‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬انشغالهم‭ ‬بالمشاكلِ‭ ‬الدَّاخليةِ‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬قضية‭ ‬اجامو‭ ‬وكشميرب،‭ ‬وتعديل‭ ‬قانون‭ ‬المواطنة‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شكَّ‭ ‬فيه‭ ‬أنَّ‭ ‬الكثيرَ‭ ‬من‭ ‬المؤسساتِ‭ ‬الهنديةِ‭ ‬المناصِرة‭ ‬لقضية‭ ‬فلسطين‭ ‬تعملُ‭ ‬على‭ ‬قدمٍ‭ ‬وساق،‭ ‬وأخصُّ‭ ‬بالذِّكر‭ ‬جامعةَ‭ ‬الهند‭-‬العربية،‭ ‬والتي‭ ‬تعملُ‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬عام‭ ‬1967م‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مناصرةِ‭ ‬شعبنا‭ ‬وقضيتنا،‭ ‬وقد‭ ‬ندَّدَت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بعمليةِ‭ ‬تطبيعِ‭ ‬علاقات‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬مع‭ ‬زإسرائيلس،‭ ‬وأعربت‭ ‬عن‭ ‬نيتِها‭ ‬تنظيم‭ ‬حركةِ‭ ‬احتجاجاتٍ‭ ‬في‭ ‬ولايات‭ ‬الهند‭ ‬المختلفة‭ ‬بعدَ‭ ‬انتهاءِ‭ ‬أزمةِ‭ ‬فيروس‭ ‬كوفيد-19‭ .‬

إنَّ‭ ‬الصوتَ‭ ‬المناصرَ‭ ‬للقضيةِ‭ ‬الفلسطينيةِ‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬شهِدَ‭ ‬تراجعًا‭ ‬ولكنَّه‭ ‬لم‭ ‬يتوقف،‭ ‬وعلينا‭ ‬كفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬نعزِزَ‭ ‬من‭ ‬دبلوماسيَّتِنا‭ ‬ونحرصَ‭ ‬على‭ ‬تكثيفِ‭ ‬الجهود‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬نخسر‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العظيم،‭ ‬فالهند‭ ‬كانت‭ ‬أولَ‭ ‬دولةٍ‭ ‬غير‭ ‬عربيةٍ‭ ‬اعترفت‭ ‬بإعلانِ‭ ‬استقلالِ‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬اعترفت‭ ‬بمنظَّمةِ‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وقرَّرت‭ ‬منحَها‭ ‬الوضعَ‭ ‬الدبلوماسيَّ‭ ‬الكامل‭  ‬عام‭ ‬1982م،‭ ‬ولم‭ ‬تقم‭ ‬بإنشاء‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬انطلاقِ‭ ‬عملية‭ ‬التَّسويةِ‭ ‬السياسية‭ ‬للصراعِ‭ ‬العربي‭-‬الإسرائيلي،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بعد‭ ‬مؤتمرِ‭ ‬مدريد‭ ‬عام‭ ‬1991‭.‬

‭ ‬إنَّ‭ ‬التاريخَ‭ ‬اليومَ‭ ‬يعيدُ‭ ‬نفسَه‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬بتوطيدِ‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬شعرت‭ ‬بأنَّ‭ ‬الموقفَ‭ ‬العربيَّ‭ ‬يميلُ‭ ‬لصالحِ‭ ‬جارتها‭ ‬باكستان،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬طلب‭ ‬رئيسُ‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭ ‬اجواهر‭ ‬لال‭ ‬نهروب‭ ‬مساعداتٍ‭ ‬عسكريةً‭ ‬من‭ ‬نظيرِه‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬آنذاك‭ ‬اديفيد‭ ‬بن‭ ‬غوريونب،‭ ‬حيث‭ ‬اغتنمت‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬زِمامَ‭ ‬المبادرةِ‭  ‬وقدَّمت‭ ‬للهند‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬في‭ ‬حربِها‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1965م‭ ‬وخلالَ‭ ‬حربِ‭ ‬الهند‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬باكستان‭ ‬قدَّمت‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬أيضًا‭ ‬معداتٍ‭ ‬عسكرية،‭ ‬لا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬كانت‭ ‬بمثابةِ‭ ‬مَوطئ‭ ‬قدمٍ‭ ‬لكي‭ ‬تضعَ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬أقدامَها‭ ‬على‭ ‬الطَّريقِ‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬ونسجِ‭ ‬علاقة‭ ‬تعاونٍ‭ ‬وتنسيقٍ‭ ‬أمنيِّ‭ ‬معها،‭ ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تستشعره‭ ‬الهندُ‭ ‬من‭ ‬وجودِ‭ ‬بوادِرَ‭ ‬ومؤشرات‭ ‬لتطبيعِ‭ ‬علاقة‭ ‬بعض‭ ‬الدولِ‭ ‬الخليجيةِ‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭.‬

لا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬أسبابًا‭ ‬أخرى‭ ‬عديدةً‭ ‬جعلت‭ ‬الهند‭ ‬تتوددُ‭ ‬الإسرائيلب‭ ‬وأمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬التوترَ‭ ‬مع‭ ‬باكستان‭ ‬جعلها‭ ‬تشعرُ‭ ‬بالقلقِ‭ ‬والتوجُّس،‭ ‬وأنَّها‭ ‬ليست‭ ‬بمنأىً‭ ‬عن‭ ‬خطرِ‭ ‬الإرهابِ‭ ‬العابرِ‭ ‬للحدود،‭ ‬وأنَّ‭ ‬تعاونَها‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬سيُمكِّنها‭ ‬من‭ ‬الوقوفِ‭ ‬في‭ ‬وجهِ‭ ‬تهديدات‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬االإرهاب‭ ‬الإسلاميب‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا،‭ ‬بالفعل‭ ‬تمكنت‭ ‬الهندُ‭ ‬من‭ ‬الحصولِ‭ ‬على‭  ‬معلوماتٍ‭ ‬عن‭ ‬تحركات‭ ‬باكستان‭ ‬وأنشطتها‭ ‬العسكريةِ‭ ‬والأمنية،‭ ‬وهذا‭ ‬تحققَ‭ ‬بفضلِ‭  ‬اتِّفاق‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬والولاياتِ‭ ‬المتحدةِ‭ ‬وأقمار‭ ‬التجسسِ‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬الهند‭ ‬تعتبرُ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬بوابتَها‭ ‬للولاياتِ‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكان‭ ‬لأمريكا‭ ‬دورٌ‭ ‬في‭ ‬تمهيدِ‭ ‬الطريق‭ ‬أمامَ‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬لتحقيقِ‭ ‬هدفَين‭ ‬رئيسيَّين،‭ ‬وهما‭: ‬احتواء‭ ‬نفوذِ‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتطويقِ‭ ‬إيران‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬إخضاعِها‭ ‬للسيطرةِ‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فيما‭ ‬تسعى‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬لإيجاد‭ ‬سوقٍ‭ ‬لأسلحتِها‭ ‬ومُعداتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬وقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الهند‭ ‬أكبرَ‭ ‬مستوردٍ‭ ‬للسلاحِ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وغدت‭ ‬سوقًا‭ ‬ضخمةً‭ ‬للشركاتِ‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬

من‭ ‬الجديرِ‭ ‬ذكره‭ ‬أنَّ‭ ‬العلاقات‭ ‬الهندية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬المجالِ‭ ‬العسكريِّ‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬شملت‭ ‬مجالات‭ ‬عديدة،‭ ‬أهمها‭: ‬المجال‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬والأمني،‭ ‬والزراعي،‭ ‬والتجاري،‭ ‬ولعلَّنا‭ ‬نستذكرُ‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬انتنياهوب‭ ‬خلالَ‭ ‬زيارةِ‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬اعندما‭ ‬يتعلقُ‭ ‬الأمر‭ ‬بالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والهند،‭ ‬فإنَّ‭ ‬السماءَ‭ ‬هي‭ ‬حدودُ‭ ‬هذه‭ ‬العلاقةب‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬كان‭ ‬الانقسامُ‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬انشغالهم‭ ‬عن‭ ‬متابعةِ‭ ‬قضيَّتِهم‭ ‬وحشدِ‭ ‬الدعمِ‭ ‬والمُؤازرةِ‭ ‬لها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أضعفَ‭ ‬مكانةَ‭ ‬القضيةِ‭ ‬الفلسطينيةِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭  ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬المستويَين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدَّولي،‭ ‬إنَّ‭ ‬علينا‭ ‬كفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬نعملَ‭ ‬على‭ ‬ترتيبِ‭ ‬أوراقِنا‭ ‬السياسيةِ‭ ‬وإصلاحِ‭ ‬حال‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يجمعنا،‭ ‬وتوحيد‭ ‬أصوتِنا‭ ‬والعمل‭ ‬مع‭ ‬أمتِنا‭ ‬العربيةِ‭ ‬والإسلاميةِ؛‭ ‬لكي‭ ‬يجتمعَ‭ ‬الشملُ‭ ‬و‭ ‬تلتقي‭ ‬المواقفُ‭  ‬ويجب‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تتخذَ‭ ‬خطواتٍ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصَّدد؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬لها‭ ‬تأثيرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بحكمِ‭ ‬وجودِ‭ ‬ما‭ ‬يقاربُ‭ ‬من‭ ‬ثمانيةِ‭ ‬مليون‭ ‬هندي‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬دولِ‭ ‬الخليج،‭ ‬وأنَّ‭ ‬الحكومةَ‭ ‬الهندية‭ ‬تعتمدُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬التحويلات‭ ‬الماليةِ‭ ‬التي‭ ‬تأتيها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدُّول،‭ ‬وهي‭ ‬ورقةُ‭ ‬ضغطٍ‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اجتمعت‭ ‬كلمةُ‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب‭.‬

إنَّ‭ ‬علاقةَ‭ ‬الهند‭ ‬التاريخيَّةِ‭ ‬مع‭ ‬الدولِ‭ ‬العربيةِ‭ ‬علاقةٌ‭ ‬براغماتية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنَّ‭ ‬الجاليةَ‭ ‬الهنديةَ‭ ‬المسلمةَ‭ ‬الكبيرة‭ ‬كانت‭ ‬رأسَ‭ ‬مالٍ‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬محوري،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬أهميةٍ‭ ‬استراتيجيةٍ‭ ‬لمتطلَّباتِ‭ ‬النفطِ‭ ‬الهندية‭.‬

إنَّ‭ ‬دعمَ‭ ‬الهندِ‭ ‬للقضيةِ‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بحكمِ‭ ‬أنَّها‭ ‬من‭ ‬قادةِ‭ ‬دولِ‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬بالإضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬حوالي‭ ‬175‭ ‬مليون‭ ‬مسلمٍ‭ ‬هنديٍ،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬دورٍ‭ ‬مؤثرٍ‭ ‬وفعَّالٍ‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توحدت‭ ‬جهودُهم‭ ‬وأصواتُهم،‭ ‬فهذه‭ ‬اعتباراتٌ‭ ‬تحكمُ‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬فنجد‭ ‬العديدَ‭ ‬من‭ ‬الصفقاتِ‭ ‬العسكرية‭ ‬عُقدت‭ ‬بينهما‭ ‬سِرًّا،‭ ‬أي‭ ‬أنَّ‭ ‬الحكومةَ‭ ‬الهندية‭ ‬تأخذ‭ ‬هذا‭ ‬بعينِ‭ ‬الاعتبار،‭ ‬وتجعلها‭ ‬تتعاملُ‭ ‬بحذرٍ‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭.‬

إنَّ‭ ‬سياسةَ‭ ‬الشَّجبِ‭ ‬والتنديدِ‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لمواجهةِ‭ ‬أيِّ‭ ‬تغييرٍ‭ ‬تُجريه‭ ‬الدولُ‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬ومواقفها‭ ‬تجاه‭ ‬فلسطين‭ ‬ولن‭ ‬تجدي‭ ‬نفعًا،‭ ‬إنَّ‭ ‬سياساتِ‭ ‬الدولِ‭ ‬قائمةٌ‭ ‬على‭ ‬حساباتِ‭  ‬المصالحِ‭ ‬واعتباراتٍ‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تبتعدُ‭ ‬عنها،‭ ‬وإنَّ‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نثبتَ‭ ‬للعالمِ‭ ‬أنَّنا‭ ‬أصحابُ‭ ‬قضيةٍ‭ ‬وأنَّ‭ ‬بأيدينا‭ ‬أوراقَ‭ ‬قوةٍ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلعبَها‭ ‬لتعزيزِ‭ ‬مصالحها،‭ ‬ولكن‭ ‬أبجديات‭ ‬أوراق‭ ‬التأثير‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬وحدتِنا‭ ‬كفلسطينيين،‭ ‬وتعزيز‭ ‬شرعيةِ‭ ‬وجودِنا‭ ‬السِّياسيِّ‭ ‬بتسريعِ‭ ‬خطوات‭ ‬المُصالحةِ‭ ‬وإنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬وفكِّ‭ ‬الحصار،‭ ‬وتعميق‭ ‬ارتباطنا‭ ‬بأمَّتِنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬مما‭ ‬سيعطى‭ ‬زخمًا‭ ‬قويًا‭ ‬لقضيتنا‭ ‬وحضورًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ِالدولي‭.‬

إنَّ‭ ‬الوجودَ‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬الكبيرَ‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬هو‭ ‬رصيدٌ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬ذبلا‭ ‬شك‭- ‬سيظلُّ‭ ‬يعملُ‭ ‬لصالحِ‭ ‬قضيتنا،‭ ‬وأنَّ‭ ‬وضعيةَ‭ ‬الضعفِ‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬مسلمو‭ ‬الهند‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬حالةٌ‭ ‬عارضة،‭ ‬والسياسةُ‭ ‬مسألة‭ ‬متقلبة‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تتغير،‭ ‬وهي‭ ‬مرهونةٌ‭ ‬بالمصالح‭ ‬ومعظم‭ ‬مصالحِ‭ ‬الهند‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬ذللأسف‭- ‬يمر‭ ‬بحالةٍ‭ ‬من‭ ‬التفككِ‭ ‬والضَّعفِ‭ ‬والهوان‭.‬‭ ‬

مفاز أحمد يوسف

باحث دكتوراه في العلاقات الدولية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button