الهنـــد و”إســـرائيل”: من التعاون الاقتصادي إلى التنسيق الأمني والعسكري
د. عدنان أبو عامر == أستاذ العلوم السياسيَّة بجامعة الأُمَّة وخبير الشُّؤون الإسرائيليَّة-فلسطين ==
فيما تَشهدُ العلاقات الثُّنائيَّةُ بين الهند وبإسرائيلب تناميًا تدريجيَّا مَلحوظًا، تجدرُ العودة 28 عامًا إلى الوراء، حين تمَّ إعلانُ هذه العلاقات بصورةٍ رسميَّة، بعد أنْ شكَّلت القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ عقبةً أمام اإسرائيلب كي تصبحَ صديقةً حميمةً للهند، لكن ما تعيشُه الدبلوماسيَّة الفلسطينيَّة الرسميَّة من تراجع وانشغالٍ عن عواصمَ صديقةٍ وحليفةٍ للفلسطينيين منذ نشأةِ قضيَّتهم، أفسح المجال الإسرائيلب لملءِ هذا الفراغ بالتسللِ إلى الهند!
مَع مرورِ الوقت، عرفت السنوات الأخيرة حالةً من الدِّفءِ التَّدريجي في علاقاتِ اتل أبيبب وبنيودلهيب، إلى أنْ شكَّلت زيارةُ ابنيامين نتنياهوب في 2019 نقطةَ تحولٍ في علاقتِهما، وبلغت الزيارةُ ذروتَها في خطابِه أمامَ المؤتمر السَّنويّ لوزارة الخارجية الهندية، بمشاركة 86 دولة، وتم اختياره ليكون صاحبَ الخطابِ المركزيّ للمؤتمر.
مع أنَّ ما يميِّزُ تطورَ العلاقاتِ الثُّنائية بينهما تلكَ الصَّداقة الحميمة بين رئيسِ الحكومةِ الهنديَّة اناريندرا موديب وبنتنياهوب، وهو رئيسُ الحكومةِ الإسرائيليّ الثاني الذي يزورُ الهند، وسبقَه اأريئيل شارونب عام 2003.
في الجانب الدّبلوماسي، فإنَّ علاقاتهما تشهدُ تناميًا تدريجيَّا، عَقِبَ انفصالِ الهند عن انضمِامها التَّقليديّ للمعسكرِ المُعادي الإسرائيلب، وامتناعِها في 2014 عن التَّصويت على تقريرٍ للأممِ المتحدةِ حولَ حربِ غزةَ الأخيرة، حتى أنَّ الدّبلوماسيين الهنود باتوا يبتعدون عن استخدامِ مفرداتٍ قاسيةٍ بحقِّ اإسرائيلب، كما جرت العادة سابقًا، رُغم الاستمرارِ بإدانةِ الاستيطان، ورفْضِ قرار الرَّئيس الأمريكيّ بحقِّ القُدس.
على الصَّعيد التِّجاري والاقتصادي، تجدُ الشركاتُ االإسرائيليةب سهولةً بدخول أسواقِ الهند، مع توقيع صفقات السِّلاحِ والاستثمارِ بالمواردِ الطَّبيعيَّة، وتسارِع الهند خُطاها بتنميةِ شراكتِها الاقتصاديَّة والتِّجارية معَ اإسرائيلب، رغبةً منها بالظهور كدولةٍ عُظمى وقوةٍ عالميَّة، مما يجعلها تستفيدُ من الصِّناعات االإسرائيليةب بمجالات الهايتك والتّكنولوجيا.
مع أنَّ زيارة انتنياهوب المذكورة شهِدَت اصطحابَه للعشراتِ من رجالِ الأعمال ورؤساءِ الشركات، في مَسعى لزيادةِ حجم التَّبادل التجاري الثُّنائي من 4-10 مليــارات دولار سنويـــــــــًا.
وفيما تسعى اإسرائيلب لتوقيعِ اتِّفاقٍ للتجارةِ الحُرَّة مع الهند، فقد أنجزت الأخيرةُ اتِّفاقًا مع اإسرائيلب لتوفيرِ خطّ طيرانٍ مُباشرٍ لطيرانها في الطَّريقِ إلى مطاراتِها، بعدَ موافقةِ السُّعودية على تحليقِ الطَّائراتِ الهنديَّة فوقَ أجوائِها وهيَ متَّجهة الإسرائيلب، أو مُقلعةً منها، كمقدمةٍ للتطبيعِ السعوديّ-الإسرائيليّ، مع أنَّه في 2016 حلَّ ارتفاعٌ بنسبة 22% من حركة الطيران المتبادل، وبلغ عددُ مسافريهما حدَّ الذروة، بـ158 ألفًا.
تعتبرُ الهند شريكًا أساسيًّا الإسرائيلب في التعاون العسكريّ، وزاد دورها بتحديثِ جيش الهند، وتطوير الطائرات دونَ طيار، وباتت أكبرَ مستوردٍ لسلاحِها بنسبة 49% من صادراتِها العسكريَّة، وبلغت قيمتُها 15 مليار دولار بين 2000-2006، حيث باتت الصَّفقات العسكريَّة بين الهند وبإسرائيلب تشكِّلُ عنصرًا أساسيًّا في مُباحثاتِهما، مع أنَّ القصفَ الهنديّ للمواقعِ الباكستانيَّة في سنواتٍ سابقة تمّ بصواريخِ سبايس االإسرائيليّةب.
كلّ ذلك يؤكِّدُ أنَّ الشَّراكةَ الاستراتيجيَّة بين اإسرائيلب والهند انطلقت من النَّمطِ المختلفِ عن المدرسة التقليديَّة لسياسةِ نهرو التاريخيَّة تجاه اإسرائيلب، التي رأى فيها جزءًا من المحور الغربي، في المقابل فإنَّ اإسرائيلب باتت تركَّزُ أنظارَها تجاه آسيا ودول المحيط الهادئ، وأصبحت تأخذُ هذه المنطقة الجغرافيَّة بعين الاعتبار.
كما يُمكن قراءة أسباب هذا التَّقدم في تطوُّرِ علاقات اإسرائيلب والهند إلى التَّغير في ميزانِ اقتصاد الطَّاقةِ العالميّ، وإمكانيَّة تَراجُع إمساك الدُّول العربيَّةِ بِزِمامِ هذا السُّوق بصورةٍ حصريَّة، لاسيَّما الدول المُصدِّرة للنِّفط، فضلًا عن انطلاقِ عمليَّةِ السَّلامِ بين العرب اوإسرائيلب في مؤتمر مدريد عام 1991، مما دفعَ العديدُ من أعداءِ اإسرائيلب حولَ العالم لمحاولةِ تجديدِ علاقاتها بها، وهو ما تجسَّدَ أخيرًا في التَّطبيع الإماراتي البحريني معَها.
شهِدَت الهند تغييراتٍ داخليةً سرَّعت من تطويرِ العلاقات ابإسرائيلب، مثل إقصاء حزب االكونغرس الهنديب، وصعودِ حزب ابهارتيا جيناتاب، مما ساعد بتبديدِ أي مخاوف هنديَّة من اإسرائيلب، وحَوَّلتها إلى شريكةٍ وحليفةٍ متوقعةٍ ضِدَّ باكستان والحركاتِ الإسلاميَّة، وجاء تطبيع علاقاتهما نتيجةً لسياسةِ اللِّيبرالية الاقتصادية، وباتت اإسرائيلب كأحدِ الدُّولِ الاقتصاديَّة الكبيرةِ حولَ العالم التي تريدُ الهند العملَ معها.
رحَّبت الهند بزيادةِ نفوذِ المنظَّماتِ اليهوديةِ لديها، وأقامت منظماتٌ يهوديةٌ أمريكيَّة مباحثات مع نُظرائِها الهندية، وحين طلبت الحصولَ على قروضٍ من البنكِ الدَّولي وصندوقِ النَّقدِ الدَّولي بخمسةِ مليارات دولار، رأت أنَّ تطويرَ علاقاتها مع اإسرائيلب جزءٌ من تسهيلِ موافقةِ الولاياتِ المتَّحدة على هذه القروض، ومن شأنِه الإسهام بتحسينِ علاقاتِها معها.
أمَّا اإسرائيلب، فقد باتت ترى في تطويرِ علاقاتِها مع الهند مقدمةً لوضعِ حدٍ للعزلةِ التي عاشتها في العقود الماضية، واليوم أصبح لديهما سُلَّم أولوياتٍ مشترك، وجدول أعمالٍ موحد لمواجهةِ القضايا الاستراتيجيَّة، فهما تخوضان حروبًا متماثلةً ضِد الجماعات المسلحة، ولديهما صراعاتٌ مع دول تحوزُ أسلحةً غير تقليدية.
أكثــــرَ مــــــــــــن ذلــــــــــــك، فإنَّ الهنــــــــــــد وبإســــــرائيـــــلب تريــــــــــان في الحركات الإسلامـــــــيَّـــــــة عـــــــدوًا مشتركًا لها، وبات عملهما الثنائي يشمل تبادلَ المعلوماتِ الأمنية، ومراقبة تحويل الأموال للمنظَّماتِ المسلَّحة، والتعرف على طُرِق التَّجنيدِ المتَّبعة لديها، وتدريبِ عناصرها، وكل هذه الأعمال تحصلُ بعيدةً عن عيونِ الجمهور، ولَعِبً الهجومُ المُسلَّح على مدينة ابومبايب في 2008 دورًا كبيرًا في تعزيزِ التَّعاون الأمنيّ المشترَكِ بينهما.
كما يتمثلُ التعاونُ الثُّنائي بين انيودلهيب وبتل أبيبب بتوريدِ كمياتٍ كبيرةٍ من السِّلاحِ االإسرائيليب والوسائلَ التكنولوجيةِ العسكريَّة، بينها الطائرات المُسيَّرة بدونِ طيار، ووسائلَ قِتالية متطورة جدًا، وأدوات رؤيةٍ ليليَّة، وجدران إلكترونية لتحسينِ الرقابة على الحدودِ الهندية، فضلًا عن الذخيرةِ والصواريخِ والمضاداتِ الجويَّة والأرضيَّة.
أخيرًا.. يتركُ التعاون االهندي-الإسرائيليب آثاره على منطقةِ المحيط الهندي، خاصةً في ظلِّ زيادة التواجد الصيني، ولعلَّ ما بات يمنح هذه المنطقة أهميةً استثنائيَّةً للسياسةِ الخارجية االإسرائيليةب، اقتراب إيران وباكستان منها، الأمر الذي يعني تناميًا ملحوظًا في علاقاتها بالهند.