مقالات

تاريخ السياسة الخارجية الصينية تجاه القضية الفلسطينية

م. أحمد نصار كاتب في الشأن الصیني عضو الاتحاد الدولي للصحفیین والكتاب العرب أصدقاء الصین

تاريخ السياسة الخارجية الصينية تجاه القضية الفلسطينية

م. أحمد نصار
كاتب في الشأن الصیني

عضو الاتحاد الدولي للصحفیین والكتاب العرب أصدقاء الصین

                                                                                         
تتركز السياسة الصينية الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط على عدالة هذه القضايا بما يسمح بتحقيق مصالح الشعوب والتأكيد على أمنها واستقلالها والحفاظ على الأرواح ونبذ العنف واللجوء للحلول السلمية، ولعل على رأس هذه القضايا الدولية في الشرق الأوسط القضية الفلسطينية، والتي تبلورت رؤية الصين تجاهها منذ زمن بعيد، ولم تتغير هذه الرؤية المعتدلة مع تغير العوامل والمؤثرات سواء في فلسطين أو في العالم على حد سواء.

عربياً بشكل عام، وفلسطينياً بشكل خاص، أبدت الصين تأييدها المستمر للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وإقامة دولته المستقلة، واستمرت السياسة الخارجية بنهج مؤيد ثابت للحقوق العربية.

وبدأت أولى ملامح تغير السياسة الخارجية للصين الشعبية بعد قيام الجمهورية باعتراض مندوب الصين “تنجفو تسيانج” داخل مجلس الأمن في 19 آذار/ مارس عام 1948 على تدخل الأمم المتحدة عسكرياً لفرض قرار التقسيم على العرب بالقوة، أو أن تُعطى بعض الدول حق القيام بمثل هذا التدخل. وفي 15 أيار/ مايو عام 1948 أعلن المندوب أسفه لاعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل؛ لأن ذلك قد زاد من المصاعب التي يتعذر معها على مجلس الأمن إيقاف الصراع القائم في فلسطين. كما أن الاعتراف الأمريكي قد أفقد لجنة الهدنة حيادها الذي كان يعتبر الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الصراع، واعتبرت الصين أنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يخولها حق تقسيم أي دولة؛ لذلك اعترضت على قرار التقسيم، وكانت ترى أن الولايات المتحدة منحازة لجانب إسرائيل. وكذلك فقد جاء الموقف الصيني من حرب حزيران/ يونيو عام 1967 على المستوى الرسمي مؤيداً سياسياً كاملاً للقضية العربية، وقد تُرجم هذا التأييد جماهيرياً بتظاهرات انطلقت في بكين لثلاثة أيام متتالية من 7-9 حزيران/ يونيو، ضمت حوالي مليون ومئتي ألف صيني تضامناً مع الشعب العربي وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي على الدول العربية. فالسياسة الماوية التي رسمها “ماو تسي تونغ” جعلت الشعب الصيني يرسم تصوره للصراع العربي- الإسرائيلي بشكل داعم للقضية الفلسطينية، وهو ما نستطيع لمسه شعبياً في الصين حتى الآن، مما أعطى اهتمام شعبي حقيقي لدى الصينيين بقضية الشرق الأوسط المركزية، وهذا الاهتمام كان مصدره إيمان الحزب الشيوعي الصيني بالرؤية الصائبة لسياساته الخارجية تجاه العالم العربي.

وقد عكس موقف الصين من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في هذه المرحلة وزير خارجية الصين “تشياو كوان هوا” في أول خطاب له في الأمم المتحدة بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 1971، وذلك بقوله: “إن على إسرائيل أن تنسحب من جميع الأراضي العربية المحتلة، كما أنه يجب أن يُرد للشعب الفلسطيني وطنه، وتُرد إليه حقوقه في الوجود الوطني.”

وعلى المستوى الدبلوماسي الرسمي، بادرت الصين عام 1988 بعد إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطين المستقلة في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1988 في دولة الجزائر، إلى الاعتراف بهذه الدولة. وفي أوائل عام 1989، رفعت الحكومة الصينية مستوى التمثيل الفلسطيني إلى مرتبة سفارة دولة كاملة تتمتع بكامل وكافة الحصانات والامتيازات الممنوحة لأي سفارة بأي دولةٍ أخرى. وقد تم اعتماد أوراق أول سفير فلسطيني للصين السيد/ يوسف رجب الرضيع وتم رفع العلم الفلسطيني في مراسم رفيعة المستوى. وبعد أربع سنوات، أقامت علاقات دبلوماسية مع الاحتلال الاسرائيلي، مكّنتها على مدار السنوات التالية من إبرام صفقات لشراء تكنولوجيا عسكرية غربية متطورة، كانت حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة ودول أخرى، وهي صفقات جرى معظمها سرّاً، وأثارت غضب الولايات المتحدة عند الكشف عنها.

وعلى الرغم من علاقة الصين مع فلسطين و “إسرائيل”، إلا أنها لم تفلح الصين في لعب دور الوسيط السياسي بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي عقب تعثر مفاوضات السلام، لأن إسرائيل ظلت تعرقل تمكينها من هذا الدور. وأشهر الأمثلة على ذلك عدم استجابة حكومة تل أبيب لمساعي الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لعقد اجتماع في بكين عام 2013 بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهذا يعني أن العلاقات التجارية والعسكرية الواسعة بين الصين وإسرائيل معزولة عن المواقف والانحيازات السياسية، كما يعني أن إسرائيل تدرك أن الصين لن تكون منحازة لها كما هو حال الولايات المتحدة، فيما لو تدخلت في الصراع العربي الإسرائيلي، ولن تتبنّى مواقفها وتدعم سياساتها الاستيطانية والتوسعية على حساب الشعب الفلسطيني. والحال أن ثمة تلاقياً للمصالح بين العرب الذين يتبنون القضية الفلسطينية والصين، إذ بينما تحتاج الصين أن تتدخل في القضايا الدولية، بغرض إحراج الولايات المتحدة، يحتاج الفلسطينيون والعرب الداعمون لهم قوةً دوليةً تساعدهم في الضغط على الولايات المتحدة لتعديل سلوكها المنحاز وغير الموضوعي. وهكذا.

في الحقيقة، إن الصين لم تكن بمنأى عن الأحداث الأخيرة التي نشبت في القدس المحتلة وقطاع غزة في مايو 2021، حيث أكد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” ومعه قيادات الحزب الشيوعي الصيني في العديد من المناسبات واللقاءات مع القيادة الفلسطينية تأييد بلاده لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود عام 1967، وأن القضية الفلسطينية يجب أن توضع على سلم الأولويات، وإن دعم الشعب الفلسطيني صادق ومن أعماق القلب وستؤيد الصين بثبات قضية الشعب الفلسطيني العادلة. ودعت الصين أكثر من مرة لرفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، وقدمت العديد من المساعدات والإعانات للشعب الفلسطيني خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع إبان حروب 2008، 2012، 2014، وحتى عام 2021. ونلاحظ في هذا الصدد تعاطف الإعلام الصيني مع حجم الدمار والتخريب الذي لحق بغزة في الحرب الأخيرة، فقد فتحت الصين منصاتها الإعلامية لمتابعة المجريات هناك، وتبنت الرؤية الفلسطينية الصادقة بأن ما حدث ما هو إلا محاولة إسرائيلية لوأد أي حراك أو محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

إن الرؤية الصينية الثابتة والواضحة للقضية الفلسطينية تؤكد على حكمة هذه الرؤية وعدالة قضيتها في نفس الوقت. فالصين، -الدولة الاقتصادية العظمى- وعلى الرغم من مصالحها المرتبطة بالعديد من الدول التي لا تتبنى رؤيتها تجاه فلسطين، فإنها تؤكد على أن جذور الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين تكمن في بقاء القضية الفلسطينية عالقة دون حل. وفي هذا الصدد، تدعم الصين حق فلسطين في إقامة دولة مستقلة، مع ضرورة توفير المساعدات للشعب الفلسطيني. وكذلك فإن الصين دائماً ما تدعو إسرائيل إلى الالتزام بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة، كما دعت بذلك في مجلس الأمن في الجلسة النقاشية المفتوحة بتاريخ 16 مايو 2021.

م. أحمد نصار

كاتب في الشأن الصیني عضو الاتحاد الدول

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button