مقابلات

تركيــا قويـــة .. ولن تسكت عن حقوقها وتتغاضــى عمــا يحـاك لهـا تحت سياسة تصفير المشاكل

رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط ""أورسام" البروفيســور د. أحمـــد أويــصـــال

مقابلة:‭   

  ‬تركيــا‭ ‬قويـــة‭ ..‬ ولن‭ ‬تسكت‭ ‬عن‭ ‬حقوقها وتتغاضــى‭ ‬عمــا‭ ‬يحـاك‭ ‬لهـا تحت‭ ‬سياسة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل

رئيس‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ “”‬أورسام‭”‬ البروفيســور‭ ‬د‭. ‬أحمـــد‭ ‬أويــصـــال‭ :‬

خاص‭ -‬آسيا‭ ‬بوست

التقت‭ “‬آسيا‭ ‬بوست‭” ‬البروفيسور‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬أويسال،‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ (‬أورسام‭)‬،‭ ‬وحاورته‭ ‬حول‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية،‭ ‬وعديد‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭, ‬حيث‭ ‬حوى‭ ‬اللقاء‭ ‬معلومات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية،‭ ‬توضح‭ ‬طبيعةودور‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬تمارسهاتركيا‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬علاقاتها‭ ‬وحدودها‭ ‬الجيبوليتيكية‭.‬

أحمد‭ ‬اويصال‭ ‬دكتور‭ ‬وبروفيسور‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإجتماع‭ ‬السياسي،‭ ‬مهتم‭ ‬بدراسة‭ ‬الشؤون‭ ‬العربية‭ ‬والعلاقات‭ ‬العربية‭ ‬التركية،‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الأوسط‭ ‬التقنية‭ ‬بتركيا‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬علم‭ ‬الإجتماع،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬سوثرن‭ ‬اليونز‭ ‬اSouthern Illionisب‭ ‬بأمريكا،‭ ‬درَّس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬اDumlupinarب‭ ‬بقسم‭ ‬علم‭ ‬الإجتماع،‭ ‬كما‭ ‬درَّسَ‭ ‬أيضا‭ ‬بقسم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بجامعة‭ ‬عثمان‭ ‬غازي‭ ‬باسكيشهير،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬بتأسيس‭ ‬والاشراف‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بنفس‭ ‬الجامعة‭ (‬2011‭) ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬ينتقل‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬اسطنبول‭.‬

  ‬بدأ‭ ‬البروفيسور‭ ‬احمد‭ ‬اويصال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تجسيد‭ ‬فكرة‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬الاتراك‭ ‬والعرب،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنسيق‭ ‬وإقامة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العربية‭- ‬التركية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمختلف‭ ‬الدول‭ ‬ويسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬لتطوير‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬للدّفع‭ ‬به‭ ‬قدما‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬للأمة‭ ‬الإسلامية‭. ‬يتقن‭ ‬التحدث‭ ‬بلغات‭ ‬مختلفة‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬يتقن‭ ‬اللغات‭ ‬الانجليزية‭ ‬والعربية‭ ‬والفرنسية‭. ‬يكتب‭ ‬ويعلق‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬الشؤون‭ ‬التركية‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسطية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والفضائيات‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية‭ ‬كقناة‭ ‬الجزيرة‭ ‬والعربية‭ ‬وBBC‭  ‬وفرنس‭ ‬24‭.‬

عُرف‭ ‬عن‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬ميلها‭ ‬لسياســـــة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تغيراً‭ ‬ملوحظا‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬وِفق‭ ‬المستجدات‭ ‬الحاليَّة،‭ ‬كيف‭ ‬تفسِّرون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬الأذري‭ ‬الأرميني‭ ‬تحديدًا،‭ ‬والسوري‭ ‬واليوناني‭ ‬والليبي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام؟

ركَّزت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل‭ ‬وتحسين‭ ‬علاقاتها‭ ‬معها،‭ ‬وهي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عم‭ ‬فيها‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬المنطقةِ‭ ‬والعالم،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬انحياز‭ ‬تركيا‭ ‬للديمقراطيةِ‭ ‬في‭ ‬الدُّول‭ ‬المجاورة،‭ ‬اثر‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬عديد‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬نتعرض‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬لحصار‭ ‬ومحاولة‭ ‬لتحجيمنا‭ ‬وابعادنا‭ ‬عن‭ ‬البحار‭ ‬خاصةً‭ ‬أنَّ‭ ‬تركيا‭ ‬مُحاطةٌ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬جهات،‭ ‬وهناك‭ ‬سعي‭ ‬لضرب‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وأمنها،‭ ‬خاصَّةً‭ ‬في‭ ‬البحرِ‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وبحر‭ ‬إيجة،‭ ‬وهو‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬سياستنا‭ ‬ويستلزم‭ ‬إظهار‭ ‬القوةِ‭ ‬وعدم‭ ‬التهاون،‭ ‬أمَّا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الملف‭ ‬الأذري،‭ ‬فوقوف‭ ‬تركيا‭ ‬مع‭ ‬أذربيجان‭ ‬نابعٌ‭ ‬من‭ ‬أحقيَّتِها‭ ‬في‭ ‬أراضيها‭ ‬المحتلة‭ ‬واستنادًا‭ ‬للقرارات‭ ‬الأُممية،‭ ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬نريد‭ ‬إعادة‭ ‬الحق‭ ‬إلى‭ ‬أصحابه‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬المحتلة‭ ‬وهذا‭ ‬يزعج‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭ ‬وبعض‭ ‬قوى‭ ‬الغرب،‭ ‬والمهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أنَّ‭ ‬تركيا‭ ‬قوية‭ ‬ولن‭ ‬تسكتَ‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬وتتغاضى‭ ‬عمَّا‭ ‬يحاك‭ ‬لها‭ ‬تحت‭ ‬مبرر‭ ‬سياسة‭ ‬تصفير‭ ‬المشاكل‭.‬

عُرِف‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬استخدامها‭ ‬لمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬ومشاركتها‭ ‬أدوار‭ ‬الوساطة‭ ‬طرفًا‭ ‬ثالثًا‭ ‬محايدًا‭ ‬لحلِّ‭ ‬نزاعاتٍ‭ ‬إقليمية،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬تحولٌ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسات؟

تركيا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تريد‭ ‬مواصلة‭ ‬سياسة‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬الأزمات،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الصِّراعات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬أنقرة‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحها‭.‬

‭ ‬نحن‭ ‬نريد‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬اليمنية‭ ‬مثلًا‭ ‬لكنَّ‭ ‬الأطراف‭ ‬المتورطة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تريدنا‭ ‬أن‭ ‬نتوسط‭ ‬هناك،‭ ‬نتوسط‭ ‬حيث‭ ‬تُستهدف‭ ‬مصالحنا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭.‬

ويجدر‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬أنَّه‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬الحالية،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مؤامرةٌ‭ ‬لجرِّ‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬حربٍ‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للسعودية‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬لكن‭ ‬الحِنكة‭ ‬السياسية‭ ‬التركية‭ ‬تفادت‭ ‬ذلك،‭ ‬وهناك‭ ‬تحريضٌ‭ ‬أمريكيٌ‭ ‬ومن‭ ‬دول‭ ‬الاستعمار‭ ‬للدول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬للاشتباك‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬وسياسة‭ ‬أنقرة‭ ‬الخارجية‭ ‬تؤكد‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬استعدادها‭ ‬للوساطة‭ ‬وتبني‭ ‬النهج‭ ‬السلمي‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬الوساطة‭ ‬لا‭ ‬تجدي،‭ ‬ويجب‭ ‬الدِّفاع‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬ومناصرة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬القوة‭ ‬الظالمة‭ ‬المسلَّحة‭.‬

كيف‭ ‬توازن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬بين‭ ‬دعمها‭ ‬القوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬قوى‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬وبين‭ ‬علاقاتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية؟‭ ‬

تركيا‭ ‬دولةٌ‭ ‬محافظةٌ‭ ‬ديمقراطيةٌ‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬العلمانية‭ ‬والفئات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولدينا‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الرؤية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الأخرين،‭ ‬والصوفية‭ ‬لدينا‭ ‬لم‭ ‬تنحز‭ ‬للأنظمة‭ ‬ولم‭ ‬تدعم‭ ‬السياسات‭ ‬الفاسدة‭ ‬غير‭ ‬الحكيمة،‭ ‬وتمتلك‭ ‬وعيًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬وتجربةً‭ ‬مختلفةً‭ ‬عن‭ ‬الصوفية‭ ‬والإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬العربي،‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخانة‭ ‬غير‭ ‬منطقي‭.‬

أنقرة‭ ‬تمتلك‭ ‬موقفًا‭ ‬معتدلًا‭ ‬ولا‭ ‬تسوِّقُ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بمفهومها‭ ‬ومزاجها‭ ‬أو‭ ‬تفرضها‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬مثلما‭ ‬تريد‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬كالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مثلًا،‭ ‬تركيا‭ ‬تختار‭ ‬الديمقراطية‭ ‬دائمًا‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تفرضها‭ ‬ولا‭ ‬تفرق‭ ‬في‭ ‬مطالبة‭ ‬تطبيقها‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العرق‭.‬

أمَّا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬سابقًا،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نيةٌ‭ ‬لتوريط‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لكن‭ ‬تركيا‭ ‬لم‭ ‬تنجر،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬محاولة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬أيضًا،‭ ‬لكنَّ‭ ‬القوى‭ ‬الليبية‭ ‬صمدت‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬احفترب‭ ‬وتركيا‭ ‬دعمتها‭.‬

أنقرة‭ ‬لا‭ ‬تحارب‭ ‬بالنيابة‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬ولن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬حربٍ‭ ‬ضد‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬ليبيا،‭ ‬وسياسة‭ ‬بلادنا‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬قدرٍ‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬ضمن‭ ‬منطق‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتدريج‭ ‬ودون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حروب‭.‬

برزت‭ ‬في‭ ‬خطابات‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬ارجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغانب‭ ‬مواقف‭ ‬سياسية‭ ‬واضحةً‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بخصوص‭ ‬القدس‭ ‬وصفقة‭ ‬القرن،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬خلفيَّات‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬وهل‭ ‬يمثل‭ ‬ذلك‭ ‬تحولًا‭ ‬جوهريًا‭ ‬تجاه‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل؟

القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضيةٌ‭ ‬إنسانيةٌ‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يتعرض‭ ‬للظلم،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬حزب‭ ‬االعدالة‭ ‬والتنميةب‭ ‬تغير‭ ‬الموقف‭ ‬التركي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأخذت‭ ‬أنقرة‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬لدعم‭ ‬فلسطين‭ ‬وأظهرت‭ ‬موقفًا‭ ‬علنيًا‭ ‬ينتقد‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬موقفٌ‭ ‬صريحٌ‭ ‬لرئيس‭ ‬الدولة‭ ‬ارجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغانب‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬الاستيطان‭ ‬والقدس‭ ‬لم‭ ‬نرها‭ ‬في‭ ‬العهود‭ ‬السابقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لدعمٍ‭ ‬دبلوماسيٍّ‭ ‬وإنسانيٍّ‭ ‬للفلسطينيين‭.‬

الشعب‭ ‬التركي‭ ‬قدم‭ ‬شهداءً‭ ‬في‭ ‬مرمرة‭ ‬دعمًا‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتَّصرفات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬مُخجِلة،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬النظرة‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وأنقرة‭ ‬تريد‭ ‬تقديم‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬والمساهمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نيل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقوقه،‭ ‬لكن‭ ‬القضية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬وتحتاج‭ ‬للتنسيق‭ ‬والمساندة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعمها،‭ ‬والحكومات‭ ‬العربية‭ ‬تفرُّ‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬هذا‭ ‬الدعم،‭ ‬بل‭ ‬البعض‭ ‬منها‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لتقديم‭ ‬التنازلات‭.‬

العديد‭ ‬من‭ ‬التوصيات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أوصت‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬كعدو،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬الشُّروع‭ ‬في‭ ‬حملةٍ‭ ‬دبلوماسيةٍ‭ ‬لإقناع‭ ‬العالم‭ ‬بعزل‭ ‬أنقرة،‭ ‬وإقناع‭ ‬مُمَثلي‭ ‬الحزبين‭ :‬الجمهوري،‭ ‬والديمقراطي‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬عليها،‭ ‬وسنّ‭ ‬تشريعات‭ ‬تقلِّص‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الأموال‭ ‬إلـى‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬طرقٍ‭ ‬لمواجهة‭ ‬السياحة‭ ‬الدينية‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬وفرض‭ ‬قيودٍ‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬اتيكاب‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬مساعـداتٍ‭ ‬إغاثيةً‭ ‬للفلسطينييــــن،‭ ‬كيف‭ ‬تواجه‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬أزماتها‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال؟

اجارد‭ ‬كوشنرب‭ ‬صهر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ادونالد‭ ‬ترامبب‭ ‬،‭ ‬رَوَّج‭ ‬لمشروع‭ ‬إنشاء‭ ‬تحالفٍ‭ ‬خليجيٍّ‭ ‬إسرائيليٍّ‭ ‬يكون‭ ‬مشابهًا‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬زالناتوس،‭ ‬وكان‭ ‬يسعى‭ ‬لاستقطاب‭ ‬وَليِّ‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬امحمد‭ ‬بن‭ ‬سلمانب‭ ‬للانضمام‭ ‬للتحالف،‭ ‬وبذل‭ ‬جهودًا‭ ‬لتقريب‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لدعم‭ ‬هذا‭ ‬الغرض،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬المُعلَن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬تركيا‭ ‬أيضًا‭ ‬وضرب‭ ‬مصالحها،‭ ‬لأنَّ‭ ‬لديها‭ ‬المؤهلات‭ ‬التي‭ ‬ترشحها‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ولأنَّها‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للإملاءات‭ ‬الأمريكية‭.‬

اصفقة‭ ‬القرنب‭ ‬هي‭ ‬نسخةٌ‭ ‬ثانيةُ‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬اجورج‭ ‬بوشب،‭ ‬وتخدم‭ ‬مشروع‭ ‬التحالف،‭ ‬والهرولة‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬الآن‭ ‬للتطبيع‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مُخجِلة،‭ ‬وبن‭ ‬سلمان‭ ‬يريد‭ ‬التطبيع‭ ‬لكنَّ‭ ‬الضغوطات‭ ‬الداخلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬ومكانته‭ ‬الضعيفة‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الصحفي‭ ‬اجمال‭ ‬خاشقجيب‭ ‬وانتهاكات‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬تجعله‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُقدِمَ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭.‬

رغم‭ ‬تشجيع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬لمصر‭ ‬ضد‭ ‬تركيا،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أنقرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مشروعها‭ ‬لنقلِ‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬والحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لديها‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تهدئة‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭.‬

‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ادونالد‭ ‬ترامبب‭ ‬استهدفت‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬المصالح‭ ‬التركية‭ ‬وحرضت‭ ‬ضدها‭ ‬بسبب‭ ‬شعورها‭ ‬بأريحية،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ابايدنب‭ ‬سيكون‭ ‬الأمر‭ ‬مختلفًا‭ ‬وستستخدم‭ ‬تركيا‭ ‬الضغوطات‭ ‬وأوراقها‭ ‬لفرض‭ ‬احترام‭ ‬مصالحها،‭ ‬وعندما‭ ‬تقدم‭ ‬تركيا‭ ‬تنازلات‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬بالمقابل‭ ‬تنازلٌ‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واستهدافها‭ ‬للمصالح‭ ‬التركية‭.‬

تركيا‭ ‬القوية‭ ‬تزعج‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬لكنهم‭ ‬سيتعودون‭ ‬وسيبدؤون‭ ‬التفاوض‭ ‬معها‭ ‬بعكس‭ ‬الوقت‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬سياسة‭ ‬إملاء‭.‬

سبق‭ ‬وأن‭ ‬سعت‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬D8بس‭ ‬ثم‭ ‬حاولت‭ ‬مع‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭: ‬باكستان،‭ ‬وإيران،‭ ‬وإندونيسيــــــــــــا،‭ ‬وماليزيا‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬كوالالمبور،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يلقَ‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مأمولًا‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬محاولاتٌ‭ ‬أخرى‭ ‬لتعزيز‭ ‬التضامن‭ ‬الإسلامي‭ ‬واستثمار‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال؟

هناك‭ ‬حاجةٌ‭ ‬مُلِحةٌ‭ ‬وضروريةٌ‭ ‬لإنشاء‭ ‬منظمةٍ‭ ‬أو‭ ‬قمَّةٍ‭ ‬تعزز‭ ‬التضامن‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الأمة‭.‬

وبخصوص‭ ‬قمة‭ ‬كوالالمبور‭ ‬كانت‭ ‬باكستان‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬الدعوة‭ ‬والفكرة،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬عند‭ ‬عقد‭ ‬القمة‭ ‬اعتذرت‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوط‭ ‬الخليجية،‭ ‬وبالأخصّ‭ ‬من‭ ‬السعودية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬الفكرة،‭ ‬وتراجع‭ ‬باكستان‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬رغم‭ ‬طرحِها‭ ‬للفكرة‭ ‬غير‭ ‬مناسبٍ‭ ‬لدولةٍ‭ ‬بحجمها‭.‬

تركيا‭ ‬تصرُّ‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬مسلمة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تتمتع‭ ‬بحق‭ ‬زالفيتوس،‭ ‬وستدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المسلمين،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬هناك‭ ‬تعاونٌ‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬للضَّغط‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬التَّقارب‭ ‬الحالي‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬وطهران‭ ‬قرارًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬أم‭ ‬تكتيكًا‭ ‬للضغطِ‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬والمحور‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأطلسي؟،‭ ‬وكيف‭ ‬تقيمون‭ ‬علاقة‭ ‬تركيا‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وباكستان‭ ‬والهند؟

ليس‭ ‬هناك‭ ‬تعاونٌ‭ ‬استراتيجيٌ‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬تعاون‭ ‬عميق‭ ‬حسب‭ ‬الملفات‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬باكستان،‭ ‬علاقاتنا‭ ‬مع‭ ‬باكستان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬الأخرى،‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬إسلام‭ ‬أباد‭ ‬أخوية‭ ‬وهناك‭ ‬دعمٌ‭ ‬دائمٌ‭ ‬دبلوماسي‭ ‬وإنساني‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والحروب‭ ‬الداخلية‭ ‬والحرب‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬أضعفت‭ ‬باكستان‭ ‬ونأمل‭ ‬منها‭ ‬دورًا‭ ‬أكبر،‭ ‬وهناك‭ ‬علاقةٌ‭ ‬قويةٌ‭ ‬مع‭ ‬ماليزيا‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬والعلاقة‭ ‬تتطور‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬الوضع‭ ‬مختلف‭ ‬قليلًا،‭ ‬فالحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬اليمينية‭ ‬القومية‭ ‬منحازةٌ‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ولديها‭ ‬رؤيةٌ‭ ‬عدائيةٌ‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬وتنتقد‭ ‬تركيا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬دائم،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬فهي‭ ‬مستمرة‭ ‬دون‭ ‬أزمة‭.‬

في‭ ‬موضوع‭ ‬الصين،‭ ‬بكين‭ ‬لديها‭ ‬فرصةٌ‭ ‬لقيادةِ‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تصبحَ‭ ‬خلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬القوة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتركيا‭ ‬ترى‭ ‬ذلك‭ ‬وتأخذه‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬والصين‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬خصومةً‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬درايةٍ‭ ‬بخطط‭ ‬صعود‭ ‬بكين‭ ‬ويحاول‭ ‬مواجهتها‭.‬

عديد‭ ‬الأزمات،‭ ‬التي‭ ‬تفتعلها‭ ‬دولٌ‭ ‬إقليميةٌ‭ ‬وعالميةٌ‭ ‬بهدف‭ ‬إضعاف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التركي‭ ‬وبالتالي‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسيّ،‭ ‬كيف‭ ‬تواجه‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات؟

تقود‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬حملةً‭ ‬إعلاميةً‭ ‬تدعو‭ ‬لمقاطعةِ‭ ‬المنتجات‭ ‬التركيَّة‭ ‬وضرب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التركي،‭ ‬خاصةً‭ ‬من‭ ‬السعودية،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنَّ‭ ‬تركيا‭ ‬لديها‭ ‬اقتصادٌ‭ ‬قويّ،‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬ليست‭ ‬مؤثرة‭ ‬أو‭ ‬كبيرة‭ ‬بل‭ ‬محدودة‭ ‬ولا‭ ‬تتجاوز‭ ‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وتلك‭ ‬الدعوات‭ ‬ستفشل‭ ‬لأنَّ‭ ‬الخاسرَ‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬المواطن‭ ‬والمشتري،‭ ‬لأنَّ‭ ‬المنتج‭ ‬التركي‭ ‬ذو‭ ‬جودةٍ‭ ‬وسعر‭ ‬جيِّدين،‭ ‬وإذا‭ ‬قاطعها‭ ‬سيفقد‭ ‬هذا‭ ‬الشيء،‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬تلك‭ ‬الدعوات‭ ‬لن‭ ‬تجدَ‭ ‬النجاح‭.‬

أولت‭ ‬تركيا‭ ‬اهتمامًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بالصناعات‭ ‬الدفاعية‭ ‬وتسعى‭ ‬للاتِّجاه‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الصينية‭ ‬للاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬لتجاوز‭ ‬المصاعب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وجعل‭ ‬أولويات‭ ‬التصدير‭ ‬لأسواق‭ ‬الصين‭ ‬والمكسيك‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وفي‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يحدثه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أزمات،‭ ‬كيف‭ ‬ترون‭ ‬تأثير‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية؟

يقول‭ ‬البعض‭ ‬إنَّ‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬الاستسلام‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عليها‭ ‬وعودة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهده،‭ ‬لكنَّ‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬مرفوضٌ‭ ‬تمامًا‭ ‬وخاطئ،‭ ‬لأنَّه‭ ‬إذا‭ ‬استسلمت‭ ‬أنقرة‭ ‬فستكون‭ ‬فقيرةً‭ ‬ولن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومصر‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬استسلمت‭ ‬وطبَّعت‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬ولم‭ ‬تستفد‭ ‬شيء،‭ ‬وبلادنا‭ ‬تطورت‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬والتنمية،‭ ‬وأنقرة‭ ‬تستطيع‭ ‬تحمُّلَ‭ ‬الضغوطات‭ ‬لأنَّها‭ ‬تفضل‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلالية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاستسلام‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬الإملاءات‭ ‬الخارجية‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬كانت‭ ‬الوجهة‭ ‬الأساسية‭ ‬لتركيا‭ ‬هي‭ ‬الاتِّحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فإلى‭ ‬أين‭ ‬وصلت‭ ‬جهودكم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الانضمام‭ ‬للاتحاد،‭ ‬وهل‭ ‬تمثل‭ ‬سياسة‭ ‬التوجه‭ ‬شرقًا‭ ‬خيارًا‭ ‬مطروحًا‭ ‬كبديل؟

عملية‭ ‬انضمام‭ ‬تركيا‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مستمرة‭ ‬لكنَّ‭ ‬أنقرة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬ذيلًا‭ ‬لأيِّ‭ ‬طرف،‭ ‬وعندما‭ ‬استوفت‭ ‬بلادُنا‭ ‬بعض‭ ‬شروط‭ ‬الانضمام‭ ‬للاتحاد‭ ‬رأينا‭ ‬المماطلة‭ ‬الأوروبية‭ ‬والتلميح‭ ‬بأنَّ‭ ‬أنقرة‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬عضوًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬مثل‭ ‬باقي‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬قبول‭ ‬طلبها‭.‬

تركيا‭ ‬كسرت‭ ‬الوصاية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مساعيها‭ ‬للانضمام،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كسرت‭ ‬الوصاية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬مساعيها‭ ‬للاستقلال‭ ‬وحماية‭ ‬مصالحها،‭ ‬وتحاول‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزعج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬فواشنطن‭ ‬غير‭ ‬راضية‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬أنقرة‭ ‬المستقلة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا؛‭ ‬لأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تخضع‭ ‬لها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كامل‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لتركيا‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وتسعى‭ ‬لعضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬تزامنًا‭ ‬مع‭ ‬سعيها‭ ‬لدخول‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬وزيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وإيران؟

السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجبر‭ ‬تركيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬بديل‭ ‬لواشنطن،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬بديلًا‭ ‬منافسًا‭ ‬لها،‭ ‬لهذا‭ ‬ستهاجم‭ ‬الصين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تدركه‭ ‬بكين‭ ‬وتستعد‭ ‬له‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬وعسكريًا،‭ ‬وتركيا‭ ‬تنضم‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ليس‭ ‬بديلًا‭ ‬عن‭ ‬أحد،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تحقيق‭ ‬الموازنة‭ ‬والاستقلال‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭.‬

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Leave a Reply

Back to top button