مقالات

حركة مقاطعة «إسرائيـــل» والتطورات الحالية في الشرق الأوسط

البروفيسور محمد نزاري بن اسماعيل - رئيس BDS ماليزيا والمدير السَّابق لوحدةِ التَّخطيطِ الاستراتيجيِّ بجامعةِ مالايا -كوالالمبور

في‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬دعت‭ ‬منظماتُ‭ ‬المجتمعِ‭ ‬المدنيّ‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬إلى‭ ‬المقاطعةِ‭ ‬وسحبِ‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وفَرْض‭ ‬العقوبات‭ (‬BDS‭) ‬كشكلٍ‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الضَّغط‭ ‬السِّلمي‭ ‬على‭ ‬زإسرائيلس‭.‬

تمَّ‭ ‬إطلاقُ‭ ‬حركة‭ ‬BDS‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬170‭ ‬نقابَة‭ ‬فلسطينيَّة‭ ‬وشبكاتِ‭ ‬اللَّاجئين‭ ‬والمنظَّماتِ‭ ‬النِّسائيَّةِ‭ ‬والجمعياتِ‭ ‬المِهنيَّة‭ ‬ولِجان‭ ‬المقاومةِ‭ ‬الشَّعبية‭ ‬وهيئاتِ‭ ‬المجتمع‭ ‬المَدني‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬الأخرى‭.‬

تحثُّ‭ ‬وتنادي‭ ‬حَملةُ‭ ‬المقاطعةِ‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬BDS‭ ‬المستوحاة‭ ‬مِن‭ ‬حركة‭ ‬جنوبِ‭ ‬إفريقيا‭ ‬المُناهِضة‭ ‬للفصلِ‭ ‬العُنصريّ،‭ ‬بالضَّغط‭ ‬السِّلمي‭ -‬غير‭ ‬العنيف‭- ‬على‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬حتى‭ ‬تمتثِل‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلبيةِ‭ ‬ثلاثة‭ ‬مَطالِب‭:‬

1-‭ ‬إنهاء‭ ‬احتلالِها‭ ‬واستعمارِها‭ ‬لكافةِ‭ ‬الأراضي‭ ‬العربيَّة‭ ‬وتفكيك‭ ‬جدار‭ ‬الفصلِ‭ ‬العنصريّ،‭ ‬ويستندُ‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬الدَّولية‭ ‬التَّالية‭:‬

‭(‬أ‭) ‬تَعتبر‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬قوةً‭ ‬مُحتلَّة‭.‬

‭(‬ب‭) ‬تحظر‭ ‬اتِّفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭ ‬على‭ ‬زسلطةِ‭ ‬الاحتلالس‭ ‬نقلَ‭ ‬مواطنيها‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭.‬

‭(‬ج‭) ‬ينصُّ‭ ‬قرارُ‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ ‬2334‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭ / ‬ديسمبر‭ ‬2016‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬النشاط‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يُشكل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صارخًا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬أيّ‭ ‬شرعية‭ ‬قانونية‭.‬

‭(‬د‭) ‬نصَّت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يوليو‭ ‬2004،‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬جدارَ‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬انتهاكًا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ويجب‭ ‬إزالته،‭ ‬وتعويض‭ ‬السكان‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬يلحق‭ ‬بهم،‭ ‬وأَنْ‭ ‬تتخذَ‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬إجراءاتٍ‭ ‬لإلزام‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬بالامتثال‭ ‬لاتِّفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭.‬

2-‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالحقوق‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬للمواطنين‭ ‬العرب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬في‭ ‬المساواةِ‭ ‬الكاملة،‭ ‬ويستندُ‭ ‬هذا‭ ‬المَطلَب‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬الدَّولية‭ ‬التَّالية‭:‬

‭(‬أ‭) ‬يَنصُّ‭ ‬نظامُ‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬زجريمة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصريس‭ ‬تعني‭ ‬الأفعال‭ ‬اللاإنسانيَّة‭ ‬المرتكبة‭ ‬في‭ ‬سِياقِ‭ ‬نظامِ‭ ‬مُؤسَسي‭ ‬للقمعِ‭ ‬والسَّيطرة‭ ‬المنهجيَّيْن‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬مجموعة‭ ‬عِرقيَّة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬أيِّ‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬أو‭ ‬مجموعاتٍ‭ ‬عرقيةٍ‭ ‬أُخرى،‭ ‬والتي‭ ‬تُرتكَب‭ ‬مع‭ ‬نِية‭ ‬الحفاظِ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النِّظام،‭ ‬وبموجب‭ ‬هذا‭ ‬التعريف،‭ ‬يُمثِّل‭ ‬الفصلُ‭ ‬العنصري‭ ‬الآن‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭(‬ب‭) ‬أثبت‭ ‬تقريرٌ‭ ‬نشرته‭ ‬لجنةُ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لغربِ‭ ‬آسيا‭ (‬UNESCWA‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬الذي‭ ‬استندَ‭ ‬على‭ ‬أساسِ‭ ‬التَّحقيق‭ ‬العلميّ‭ ‬والأدلةِ‭ ‬القاطعة‭ ‬أنَّ‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬مذنبةٌ‭ ‬بارتكابِ‭ ‬جريمةِ‭ ‬الفصلِ‭ ‬العنصري،‭ ‬كما‭ ‬وأوصت‭ ‬اللَّجنة‭ ‬الحكومات‭ ‬الوطنية‭ ‬والجهات‭ ‬الفاعِلَة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بدعمِ‭ ‬أنشطةِ‭ ‬المقاطعة‭ ‬وسحب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والعقوبات‭ ‬BDS‭ ‬والاستجابة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬إيجابيٍ‭ ‬للدعوات‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭.‬

‭ ‬3-‭ ‬احترام‭ ‬وحماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوقِ‭ ‬اللَّاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬العودةِ‭ ‬إلى‭ ‬ديارِهم‭ ‬وممتلكاتِهم‭ ‬على‭ ‬النَّحو‭ ‬المَنصوصِ‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬قَرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأُمَم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬194،‭ ‬ويستند‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التالية‭:‬

‭(‬أ‭) ‬تنصُّ‭ ‬المادة‭ ‬11‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬194‭ ‬لعام‭ ‬1949،‭ ‬على‭ ‬أنَّه‭ ‬ينبغي‭ ‬السَّماح‭ ‬للاجئين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬ديارِهم‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬سلامٍ‭ ‬مع‭ ‬جيرانهم‭ ‬بالقيام‭ ‬بذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقتٍ‭ ‬مُمكن،‭ ‬كما‭ ‬وينبغي‭ ‬دَفْع‭ ‬تعويضاتٍ‭ ‬عن‭ ‬خسارةِ‭ ‬أو‭ ‬تلفِ‭ ‬ممتلكاتِ‭ ‬أولئكَ‭ ‬الذين‭ ‬يختارون‭ ‬عدم‭ ‬العودة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وبموجب‭ ‬مبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقومَ‭ ‬به‭ ‬الحكومات‭ ‬أو‭ ‬السلطات‭ ‬المسؤولة‭.\‬

‭(‬ب‭) ‬تُؤكِّد‭ ‬الجمعيةُ‭ ‬العامة‭ ‬للأُممِ‭ ‬المتحدةِ‭ ‬الاستمرار‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬194‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1949‭.‬

كما‭ ‬يتَّضحُ‭ ‬مما‭ ‬سبق،‭ ‬فإنَّ‭ ‬المطالبَ‭ ‬الثلاثة‭ ‬تتوافقُ‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وإنَّ‭ ‬رفض‭ ‬اإسرائيلب‭ ‬الامتثال‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬فيما‭ ‬يتعلَّقُ‭ ‬بمعاملتِها‭ ‬للشعبِ‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬يشكلُ‭ ‬ظلمًا‭ ‬وانتهاكًا‭ ‬صارخًا،‭ ‬ولأنَّ‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬السُّلطة‭ ‬يرفضون‭ ‬التحركَ‭ ‬لوقفِ‭ ‬هذا‭ ‬الظُّلم،‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬المجتمعُ‭ ‬المدني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إلى‭ ‬استجابة‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬للتضامنِ‭ ‬مع‭ ‬النِّضال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬الحريَّةِ‭ ‬والعدالةِ‭ ‬والمساواة‭.‬

وبناءً‭ ‬عليه،‭ ‬تمَّ‭ ‬تأسيس‭ ‬حركة‭ ‬المقاطعة‭ ‬BDS‭ ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬حقوق‭ ‬إنسان‭ ‬شاملة‭ ‬مناهضة‭ ‬للعنصرية،‭ ‬تعارِضُ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬وكراهية‭ ‬الإسلام‭.‬

تتلقَّى‭ ‬حركة‭ ‬المقاطعة‭ ‬BDS‭ ‬الدَّعم‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬النقاباتِ‭ ‬والكنائس‭ ‬والمنظَّماتِ‭ ‬غير‭ ‬الحكوميَّةِ‭ ‬والحركات‭ ‬التي‭ ‬تُمثِّل‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات،‭ ‬وهناك‭ ‬حملاتٌ‭ ‬نشطةٌ‭ ‬للمقاطعةِ‭ ‬في‭ ‬المجتمعاتِ‭ ‬في‭ ‬جميعِ‭ ‬أنحاءِ‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬وتلعب‭ ‬الجماعات‭ ‬اليهودية‭ ‬التقدمية‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭.‬

على‭ ‬مدارِ‭ ‬الخمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭ ‬ومنذ‭ ‬إنشائها،‭ ‬حقَّقت‭ ‬BDS‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬حملاتها‭ ‬الشعبية‭ ‬تقدمًا‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬كسبِ‭ ‬قلوب‭ ‬وعقول‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬لاحتضان‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يرجى‭ ‬زيارة‭ ‬الموقع‭ ‬الرسمي‭ ‬لحركة‭ ‬BDS‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

تنشطُ‭ ‬فروع‭ ‬BDS‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬القارَّات،‭ ‬وتتواصلُ‭ ‬دائمًا‭ ‬حملات‭ ‬مناهضة‭ ‬زلإسرائيلس‭ ‬تشملُ‭ ‬المقاطعات‭ ‬الأكاديميَّة‭ ‬والثَّقافية‭ ‬والاقتصاديَّة‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬مبادراتٍ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطلاب‭ ‬والنقابيين‭ ‬والحكوماتِ‭ ‬المحليَّة‭.‬

تُحدِثُ‭ ‬حركة‭ ‬المقاطعة‭ ‬تأثيرًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬وتنتشرُ‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬اعتقد‭ ‬الصهاينة‭ ‬سابقًا‭ ‬أنها‭ ‬زمناطق‭ ‬آمنةس،‭ ‬واليوم‭ ‬تستشعرُ‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬ضغطًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬تُسببُه‭ ‬هذه‭ ‬الحركة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتَّضِحُ‭ ‬من‭ ‬تكليف‭ ‬زوزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإسرائيليةس‭ ‬بمهمة‭ ‬المكافحة‭ ‬والتَّصدي‭ ‬لحركة‭ ‬المقاطعة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬حشد‭ ‬آليَّاتهم‭ ‬الدِّعائية‭ ‬الضَّخمة‭ ‬والمُمَولة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬سخي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬للتَّعاملِ‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬المقاطعة،‭ ‬فبالنِّسبةِ‭ ‬لدولةِ‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬التي‭ ‬تعتمدُ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬على‭ ‬تبييض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتَّأثير‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬التَّنصل‭ ‬من‭ ‬جرائمها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬تُصنِّف‭ ‬الوزارةُ‭ ‬المذكورة‭ ‬حركة‭ ‬BDS‭ ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا‭.‬

في‭ ‬الولاياتِ‭ ‬المتحدة‭ ‬وفي‭ ‬أماكنَ‭ ‬أخرى‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬بمثابةِ‭ ‬صراعٍ‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬فيه‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬ما‭ ‬يخسرونه‭ ‬على‭ ‬نقيض‭ ‬الصهاينة‭ ‬فَهُم‭ ‬من‭ ‬يخسرون‭ ‬كلَّ‭ ‬شيء،‭ ‬فلطالما‭ ‬تجدُ‭ ‬زاللوبي‭ ‬الإسرائيليس‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مشغولًا‭ ‬بمحاولةِ‭ ‬تجريم‭ ‬الحركة‭ ‬العالمية‭ ‬BDS‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬منهجيةِ‭ ‬اللَّاعُنف‭ ‬ومناهضة‭ ‬العُنصرية‭ ‬والتَّمييز‭ ‬والعمل‭ ‬القانوني‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬جميعِ‭ ‬حملاتِها‭.‬

حقَّقَ‭ ‬اللوبي‭ ‬نجاحاتٍ‭ ‬في‭ ‬جَعْلِ‭ ‬الولاياتِ‭ ‬الأمريكية‭ ‬تُمررُ‭ ‬قوانينَ‭ ‬مناهِضةً‭ ‬لحركة‭ ‬المقاطعة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬جليًا‭ ‬بأنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬يعدُّ‭ ‬انتصارًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬إذا‭ ‬وضعنا‭ ‬في‭ ‬الحسبانِ‭ ‬مدى‭ ‬التزام‭ ‬وارتباط‭ ‬السياسيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬باللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬تتعلقُ‭ ‬بالتمويل‭ ‬والإعلام‭.‬

ولكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القاعدةِ‭ ‬الشَّعبية‭ ‬في‭ ‬الجامعاتِ‭ ‬والمجتمعِ‭ ‬المدني،‭ ‬لا‭ ‬تزالُ‭ ‬المعركة‭ ‬محتدمةً‭ ‬وطويلةَ‭ ‬الأمد،‭ ‬فلقد‭ ‬ازداد‭ ‬عددُ‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬على‭ ‬درايةٍ‭ ‬بالظلمِ‭ ‬الواقعِ‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ومدى‭ ‬استعداد‭ ‬اللُّوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬والمتعاطفين‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬دفاعهم‭ ‬اليائسِ‭ ‬عن‭ ‬الجرائمِ‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وإدامتها‭ ‬لإفسادِ‭ ‬المُثُل‭ ‬والمعتقداتِ‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بصرف‭ ‬النَّظرِ‭ ‬عن‭ ‬السَّيطرةِ‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمريكيين‭.‬

وفي‭ ‬ذاتِ‭ ‬السِّياق،‭ ‬يتناول‭ ‬مقالٌ‭ ‬نشرته‭ ‬مجلةُ‭ ‬هارفرد‭ ‬للقانون‭ ‬في‭ ‬شباط‭ / ‬فبراير‭ ‬2020‭ ‬أنَّه‭ ‬إذا‭ ‬أُخضِعت‭ ‬القوانين‭ ‬المناهِضةِ‭ ‬للمقاطعةِ‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬مختلفُ‭ ‬الهيئاتِ‭ ‬التَّشريعية‭ ‬للولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتَّدقيقِ‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬المحكمةِ‭ ‬العُليا‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فستجدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬غيرُ‭ ‬دستوريةٍ‭ ‬ومتناقضةٍ‭ ‬مع‭ ‬التعديلِ‭ ‬الأوَّلِ‭ ‬للدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يضمنُ‭ ‬حُريَّة‭ ‬التَّعبير،‭ ‬وسوف‭ ‬تلغي‭ ‬تلكَ‭ ‬القوانين‭.‬

التَّطورات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الشَّرق‭ ‬الأوسط

وقَّعت‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬في‭ ‬شهرِ‭ ‬سبتمبر‭ ‬للعام‭ ‬الجاري‭ ‬اتفاقياتٍ‭ ‬لتطبيعِ‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬مثَّل‭ ‬نكسةً‭ ‬برأي‭ ‬حملات‭ ‬المقاطعة‭ ‬ومناهضةِ‭ ‬التطبيع‭ ‬BDS‭, ‬وهي‭ ‬نكسة‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬من‭ ‬كونِها‭ ‬حقيقيَّة‭. ‬وليس‭ ‬صدفةً‭ ‬أنَّ‭ ‬جميعَ‭ ‬الدُّول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تتوددُ‭ ‬إليها‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬هي‭ ‬دولٌ‭ ‬غيرُ‭ ‬ديمقراطيةٍ‭ ‬لا‭ ‬تمنحُ‭ ‬حقَّ‭ ‬الاقتراعِ‭ ‬العام‭ ‬لمواطنيها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنَّ‭ ‬الزُّمرَ‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬تلكَ‭ ‬الدول‭ ‬قادرةٌ‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراتٍ‭ ‬دونَ‭ ‬التشاورِ‭ ‬أو‭ ‬الاعتبار‭ ‬الواجب‭ ‬لمشاعرِ‭ ‬شُعوبها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬مكَّن‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬ومن‭ ‬خِلال‭ ‬التَّلاعبِ‭ ‬بالمخاوِفِ‭ ‬وانعدام‭ ‬الأمن‭ ‬لدى‭ ‬تلك‭ ‬الزُّمر‭ ‬الحاكمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصلْ‭ ‬إلى‭ ‬السُّلطةِ‭ ‬عن‭ ‬طريقِ‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬شرعيتُها‭ ‬مفتوحةً‭ ‬وعرضةً‭ ‬دائمًا‭ ‬للتحدي،‭ ‬من‭ ‬خِداعهم‭ ‬للاعتقاد‭ ‬بأنَّ‭ ‬أمنَهم‭ ‬سيتعززُ‭ ‬وأنظمتَهم‭ ‬ستترسَّخ،‭ ‬إذا‭ ‬أقاموا‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬دبلوماسيةً‭ ‬مع‭ ‬زإسرائيلس‭.‬

عملت‭ ‬آليةُ‭ ‬الدِّعاية‭ ‬المتحالفةِ‭ ‬والمدعومة‭ ‬من‭ ‬الصهيونية‭ ‬جاهِدةً‭ ‬على‭ ‬بناءِ‭ ‬شبحِ‭ ‬إيران‭ ‬بعنايةٍ‭ ‬ومهارةٍ‭ ‬فائقة‭ ‬وتصويره‭ ‬كتهديدٍ‭ ‬لدوام‭ ‬واستقرار‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحكام،‭ ‬وبذلك‭ ‬اتَّخذت‭ ‬تلكَ‭ ‬الأنظمةُ‭ ‬الخليجية‭ ‬القرار‭ ‬الغريب‭ ‬ظنًا‭ ‬منها‭ ‬بأنَّ‭ ‬احتضان‭ ‬زإسرائيلس‭ -‬التي‭ ‬هاجمت‭ ‬عسكريًا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جيرانِها‭ ‬وحلفائِها‭ ‬العرب‭- ‬سيُحبِطُ‭ ‬التهديد‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لهُ‭ ‬أنْ‭ ‬اعتدى‭ ‬عسكريًا‭ ‬على‭ ‬أيٍ‭ ‬من‭ ‬جيرانها‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬منطلقُ‭ ‬التفكيرِ‭ ‬والإقدامِ‭ ‬على‭ ‬تلكَ‭ ‬الخطوةِ‭ ‬هو‭ ‬أنَّ‭ ‬التعاونَ‭ ‬مع‭ ‬الدولةِ‭ ‬الصُّهيونيةِ‭ ‬سيُمكِّنُ‭ ‬الحُكَّام‭ ‬من‭ ‬التعاملِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أفضل‭ ‬مع‭ ‬التخريبيين‭ ‬والمتمرِّدين‭ ‬من‭ ‬الداخلِ‭ ‬المتأثِّرين‭ ‬بإيران،‭ ‬فإنَّ‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬قد‭ ‬يضرُّ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أكبر‭ ‬بأيِّ‭ ‬شرعيةٍ‭ ‬تُمثلها‭ ‬الزُمرُ‭ ‬الحاكمةُ‭ ‬في‭ ‬عيونِ‭ ‬شعوبها،‭ ‬وبدليل‭ ‬أنَّه‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارِ‭ ‬التَّطبيع‭ ‬دون‭ ‬التشاورِ‭ ‬مع‭ ‬المواطنين،‭ ‬علاوةً‭ ‬على‭ ‬أنً‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬لم‭ ‬تتوقفْ‭ ‬عن‭ ‬معاملتِها‭ ‬الوحشيةِ‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬فلقد‭ ‬تُرِك‭ ‬شعب‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬في‭ ‬حيرةٍ‭ ‬يتساءلُ‭ ‬عن‭ ‬سببِ‭ ‬التَّسرع‭ ‬في‭ ‬احتضانِ‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬عدمَ‭ ‬ندمِها‭ ‬لقتلِ‭ ‬وإصابةِ‭ ‬إخوانهم‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

لقد‭ ‬تجنَّبت‭ ‬التقاريرُ‭ ‬الغربيَّة‭ ‬عن‭ ‬صفقاتِ‭ ‬التَّطبيع‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬مع‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬بعنايةٍ‭ ‬أيَّ‭ ‬ذكرٍ‭ ‬للمشاعرِ‭ ‬العامةِ‭ ‬في‭ ‬تلكَ‭ ‬الدُّول‭ ‬تجاه‭ ‬الصفقات،‭ ‬وهو‭ ‬مؤشرٌ‭ ‬محتمل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عدمِ‭ ‬شعبيَّةِ‭ ‬هذه‭ ‬الخطوةِ‭ ‬لدى‭ ‬الجماهير،‭ ‬وكان‭ ‬سفير‭ ‬الإمارات‭ ‬لدى‭ ‬ماليزيا‭ ‬قد‭ ‬كتبَ‭ ‬لصحيفةٍ‭ ‬ماليزيةٍ‭ ‬في‭ ‬محاولةٍ‭ ‬لتبريرِ‭ ‬قرار‭ ‬بلاده‭ ‬إقامة‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬مع‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬قائلًا‭ ‬زأحد‭ ‬الأسباب‭ ‬هو‭ ‬أنَّها‭ ‬ستساعدُ‭ ‬في‭ ‬إِحلالِ‭ ‬السَّلام‭ ‬ومنع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬ضمِّ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬الضِّفة‭ ‬الغربيِّةس،‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬ردَّت‭ ‬حركةُ‭ ‬المقاطعةِ‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬وأربعة‭ ‬عشرة‭ ‬منظمة‭ ‬غير‭ ‬حكوميَّة‭ ‬أخرى‭ ‬مقرها‭ ‬ماليزيا‭ ‬برفضِ‭ ‬الادِّعاءات‭ ‬السخيفةِ‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭.‬

إنَّ‭ ‬حركةَ‭ ‬المقاطعةBDS‭ ‬،‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬عالمية‭ ‬لا‭ ‬تسيطرُ‭ ‬على‭ ‬جيش،‭ ‬ولا‭ ‬دبابات‭ ‬ولا‭ ‬صواريخ‭ ‬ولا‭ ‬قنابل‭ ‬ولا‭ ‬بنادق‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬تهديدًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬زإسرائيلس‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬إلَّا‭ ‬شهادةٌ‭ ‬صارخةٌ‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الصهاينةَ‭ ‬خسروا‭ ‬تمامًا‭ ‬الحوارَ‭ ‬الفكري‭ ‬والأخلاقي،‭ ‬وحينما‭ ‬تصلُ‭ ‬فيك‭ ‬الدرجةُ‭ ‬لفقدانِ‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬فتأكَّد‭ ‬أنَّك‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬تعيشُ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الضَّائع‭.‬

سيستمر‭ ‬النِّضالُ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فلسطين‭ ‬حرة،‭ ‬بغضِّ‭ ‬النَّظر‭ ‬عن‭ ‬عددِ‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاستبدادية‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تُريد‭ ‬احتضان‭ ‬دولةَ‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الصهيونية‭. ‬إنَّه‭ ‬صراعٌ‭ ‬نبيل،‭ ‬مدعومٌ‭ ‬ومسنودٌ‭ ‬بالكاملِ‭ ‬بجميع‭ ‬المُثل‭ ‬الأخلاقيَّة‭ ‬وجميعِ‭ ‬القوانين‭ ‬الدَّولية‭ ‬المعروفة،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّه‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الصحيح‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭. ‬لن‭ ‬تتراجعَ‭ ‬حركةُ‭ ‬المقاطعة‭ ‬BDS‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النِّضال‭.‬

البروفيسور محمد نزاري بن اسماعيل

رئيس BDS ماليزيا والمدير السَّابق لوحدةِ التَّخطيطِ الاستراتيجيِّ بجامعةِ مالايا -كوالالمبور More »

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button