دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط
د. بثينة محمد الزواهرة محاضرة وباحثة في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية
دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط
د. بثينة محمد الزواهرة
محاضرة وباحثة في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية
تنطلق الصين في رؤيتها واهتمامها بالشرق الأوسط، من عدة عوامل أهمها تأمين حاجاتها من مصادر الطاقة المختلفة سواء النفط أو الغاز الطبيعي، وتوفير الأمن والحماية للطريق التجاري البري والبحري لمشروعها الكبير مبادرة “الحزام والطريق”، حيث أن اقتصادها قائم ومعتمد بدرجة كبيرة على التصدير للخارج، وجزء مهم جدًا من صادراتها يمر بشكل أساسي من خلال الشرق الأوسط.
ولدعم هذا العامل الاقتصادي والحفاظ على تدفق التجارة الصينية نحو العالم، ينبغي للصين أن تصل إلى الموانئ والممرات والمضائق البحرية في الشرق الأوسط ومحيطه مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، تلك الممرات المائية تعج بالسفن الأمريكية، مما يخلق عنصر تهديد لدى الجانب الصيني في حال فكرت الولايات المتحدة باعتراض هذه المضائق والممرات البحرية والموانئ، الأمر الذي قد يعطل حركة التجارة الصينية بشكل كبير.
لذلك، أصبح لزامًا على الصين وضع استراتيجية جديدة لحماية مصالحها في المنطقة سواء في مواجهة الجانب الأمريكي أو غيره من العوامل التي من الممكن أن تزعز حركة اقتصادها وتشكل خطر عليه، فجاءت مذكرة التفاهم بين الصين وإيران التي وضع إطارها الأولي في يناير عام ٢٠١٦ ثم تم التوقيع عليها رسميًا في آذار عام ٢٠٢١ لتشكل خطوة في هذا الاتجاه، حيث تنص أحد بنودها تفعيل ممر (جنوب – شمال) كبديل عن قناة السويس، والذي يقلل كلف الشحن إلى ٣٠٪ ويختصر المدة الزمنية للشحن إلى ٢٠ يومًا، ويعتبر هذا الممر خيارًا أفضل في مجال الترانزيت، وبديلاً أكثر أمانًا من قناة السويس.
استخدمت الصين في دبلوماسيتها وسياستها الخارجية العامل الاقتصادي كعامل جاذب مع الدول الأخرى لاسيما الصديقة منها، وعنصرًا لإقامة العلاقات الاستراتيجية مع الدول، وهذا يفسر سعي بكين لبناء قوة اقتصادية عالمية كبرى، وعقد صفقات تجارية مع دول الشرق الأوسط في كافة المجالات في إطار التأسيس للبنية التحتية لمشروعها الكبير، الذي يتطلب بناء منظومة سكك حديدية وبنى تحتية ومصانع ومشاريع على امتداد مشروع الحزام والطريق. وبعد توقيع مذكرة التفاهم الصينية – الإيرانية عام ٢٠٢١ التي شملت استثمارات تتجاوز ٤٠٠ مليار دولار، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مختلفة مع دول أخرى في المنطقة، باتت الصين فعليًا الشريك التجاري الأول للعديد من الدول في الشرق الأوسط.
تسعى الصين لخلق تعاون اقتصادي قوي لدى الدول الواقعة ضمن خط الحزام والطريق، وهذا يعزز نفوذها في مناطق مختلفة من العالم، ويضمن وصولها إلى منابع الطاقة الأهم في العالم ويضمن استمرارها في الحصول عليها، ويفسر سبب اهتمام الصين بأن تكون المستثمر الأكبر في المنطقة في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، لا تتوانى الصين عن تزويد دول الشرق الأوسط بالتكنولوجيا الحديثة اللازمة لبناء اقتصاد تلك الدول، وتعدت المساعدات الجانب الاقتصادي لتصل إلى الجانب العسكري، في خضم تغير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وانسحابها تدريجيًا منها لصالح التركيز أكثر على الدول الآسيوية لاسيما الصين، خصوصًا أن أمريكا بدأت تعتمد على نفسها في مجال الطاقة وتضاءلت حاجتها إلى الشرق الأوسط من هذا الجانب.
التحدي الأكبر الذي سيواجه الصين والولايات المتحدة على حدٍ سواء هو اقتسام المصالح المشتركة في الاستقرار والأمن في إطار امتداد المنافسة بينهما، والذي جعل الشرق الأوسط ساحة جديدة لتصفية الحسابات بين البلدين، فتزايد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط سيوازيه تراجع في قدرة أمريكا على لجم الصعود الصيني الذي تسعى لاحتوائه، وسيمهد الطريق لدول الشرق الأوسط للاستفادة من التغيير في ميزان القوى، الذي بدوره سيعطي الصين فرصة أكبر لتطبيق سياستها في حل الأزمات وتنفيذ مشاريعها الاقتصادية في المنطقة، مما قد يجلب لدول المنطقة الاستقرار المنشود، وبالتالي يكسر دوامة الفوضى، ويؤسس لمستقبل جديد مبني على السلام الدائم والشامل والتنمية التي تؤدي للازدهار الذي بدوره يصنع الاستقرار حسب الرؤية الصينية.
ترى الصين بوجوب إيجاد تصور جديد للأمن يكمن في التعاون الأمني الجماعي المتبادل والدائم، وأن يبنى ذلك على أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية خاصة عبر التدخل العسكري، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وأن يترافق ذلك مع تعاون اقتصادي كبير وعميق.
فالأمن الفردي المطلق للدول يتعارض مع السياسة التي تطرحها الصين والتي تتمثل بالأمن الجماعي، هذا عدا عما قد يسببه الأمن المطلق لدول أخرى من حالة من الخوف وفقدان الأمان، لذلك تسعى بكين لخلق وسائل جديدة للتعاون في الجانب الأمني بموازاة غيره من جوانب التعاون.
ضمن هذه الرؤية، تسعى الصين لخلق تحالفات مع دول المنطقة، الأمر الذي يعزز الأمن بنظرها، وتركز على التطور الاقتصادي المبني على الاحترام المتبادل، إذ ترى وجوب إيجاد حلول طويلة الأمد، وحلول كتلك لا تتأتى بالتدخل العسكري بل بالوسائل السلمية، وتدعم الصين تعزيز قوة الدول في المنطقة لأن الدول الضعيفة أو الفاشلة لا تستطيع أن تواجه التحديات، وقد تشكل تهديدًا لنفسها ولغيرها من الدول، وهو ما سينعكس على مشروعها الأكبر الحزام والطريق، الذي أحد أهم شروط نجاحه هو الاستقرار في الدول المشاركة فيه.
إن من مصلحة الصين أن تتمتع منطقة الشرق الأوسط بالاستقرار لحماية المصالح الصينية في المنطقة، وهذا سبب يدعم ثقة الجانب العربي والشرق أوسطي بأن الصين صادقة وجادة في سعيها لتحقيق السلام، وتسعى بكين لإيجاد توازن في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وتتلخص سياستها بأنها تحاول أن تحتفظ بعلاقات صداقة مع الجميع وألا تعادي أحدًا، لذلك هي تسعى لعلاقات قوية مع الدول على اختلافها واختلاف مكانتها وقوتها، فلا تفرق بين دولة كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، ووفقًا للرؤية الصينية، من شأن سياسة كهذه أن تخلق جوًا من السلام والاستقرار والازدهار والتطور في المنطقة.
على الرغم من وجود شركاء وحلفاء إقليميين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتمتعها بنفوذ دبلوماسي وعسكري واسع في المنطقة، والتزامها بتوفير مظلة أمنية للإقليم، إلا أن التحدي الحقيقي لواشنطن يكمن في لعب الصين دورًا لمساعدة الخصوم الإقليميين، وذلك بإيجاد أرضية مشتركة لعلاقاتها مع كافة الأطراف في إطار الاستمرار في تحقيق توازن في علاقاتها مع تلك الدول، وهو ما يصب في صالح بكين ويعطيها أوراق قوة إضافية في المواجهة بينها وبين واشنطن.
وبناءً على استراتيجية أمريكا الراهنة، ستظل مصالح إسرائيل العنصر الأهم في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط، وسيظل الجانب العربي، لاسيما محور الممانعة أو ما يعرف بمحور المقاومة والمتمثل بسوريا وحزب الله في لبنان وبعض الفصائل الفلسطينية وأهمها حركة حماس، يرى في أمريكا وسيطًا غير نزيه، مما سيزيد من سعيه لإيجاد وسيط بديل، وفي هذه الحالة، ستكون الصين البديل الأنسب والأقوى والأجدر لقيادة أي تحرك نحو إيجاد حلول لمشاكل الشرق الأوسط عامة، والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي خاصة.
