“تحاجج هذه الورقة، أن النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ينحصر لصالح قوى أخرى قطبية ومتوسطة، أهمها “الصين وروسيا” اللتان تتشاركان بعض مجالات التوسع لا سيما في المحيط الهندي ويتركز ذلك في النشاط حول الموانئ وهو طريق “الحزام والطريق” التي رسمته الصين منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو الذي يحدث إرباك في الاستراتيجية التوسعية الأمريكية” ويزيد من فرص تعميق الأحلاف مع الصين على حساب نفوذها.
تنطلق هذه المقالة من نظرية ستيفن وولت “نظرية توازن التهديد”، تقوم هذه النظرية بشكل مركز على أن: الدول تتحالف استجابة للتهديد ولخلق توازن ضد مصدر التهديدBalance of Threat والذي يتأثر بـ: فارق ميزان القوى، القرب الجغرافي، القدرات الهجومية، النوايا المعلنة. كما أنه هنالك خيارين للتحالف: التحالف مع مصدر التهديد (الموافقة) Bandwagon أو التحالف ضده وموازنته Balance، غالبا تميل الدول إلى التحالف ضد مصدر التهديد عوضا عن التحالف معه، لأن التحالف مع مصدر التهديد (الطرف الأقوى) يجعل الحليف تحت رحمته ويحد من خياراته، كما أن التحالف مع مصدر التهديد يحدث حينما يكون التحالف ضده مستحيلاً أو حينما يكون نصره مؤكداً. وعلى نفس المنوال تم المبالغة في تقييم دور المنح والمساعدات وكذا التوغل الداخلي في خلق التحالفات، وهذا يقودنا إلى فهم طبيعة الصراع على النفوذ في العالم لا سيما في تشخيص التهديد الأمريكي لمجموعة قوى شرقية تسعى للاتساع سواء قوى كبيرة أو متوسطة. كما أن المدرسة الواقعية تنطلق على أن العالم لا سلطوي وفوضوي والمعروف بنظام أناركي، قائم على الفرص والحالة الرغائبية التي تتيح للدول بالتوسع نتيجة فراغ جيوسياسي ما.
في إطار الصراع على الموانئ في منطقة الشرق الأوسط وإعادة تموضع القوى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة وضمن طبيعة تحركاتها في نطاقاتها البعيدة والتي أهمها هذه المنطقة، وكذلك في ظل إعادة حساباتها تجاه حالة الاستنزاف التي تشكلها لأمريكا كإمبراطورية توسعية تسعى للحفاظ على الهيمنةـ في ظل أصوات نخبوية وفكرية تدعو لتقليص حالة الاستنزاف التي يخلفها التوسع على حساب مهام أخري في النطاقات القريبة للولايات المتحدة، وتتمثل بشكل رئيسي في منطقة الكاريبي وخليج المكسيك وما حولها، وأيضاً في ظل صعود الصين “التنين الشرقي” الذي ينمو ويتقدم باحثاً عن اتساع نطاقه الجيوسياسي لصالح الجيواقتصاد والذي يزيد من توسيع دوائر تجارته ويحافظ على حصصه السوقية من النفط والخام والبتروكيماويات، محققاً بذلك تغذية راجعة لإعادة تدوير الموارد وتصديرها وهو الذي يشكل حافزاً لخلق المنفعة المتبادلة بين القوى، والذي يتصادم أيضاً مع السطوة الأمريكية وجدارها الصلب في توازن القوى والذي يجعلها تزيد من تحالفاتها وسعى القوى المتوسطة لإقامة تحالف معها “أي الصين” من أجل خلق بيئة تساهم في الحد من الهيمنة والنفوذ الأمريكي.
وهو الذي زاد من تركيز الولايات المتحدة على البحر الشرقي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايون في ظل حصار التمدد الصيني وخنق طريق الحرير، أيضاً يستنزفها ذلك هناك وهو ما خلق معضلة أخرى في بيئة توازناتها وهي نشاط الصين في منطقة الشرق الأوسط واتساع نفوذها وعقد اتفاقات استراتيجية مع الدول التي تعادي أمريكا وترى فيها تهديد لها لا سيما الجمهورية الإيرانية، وهو ما خلق اضطراب في بيئة النفوذ الأمريكي في المتوسط والخليج العربي بل والمحيط الهندي، بل سيزيد من فرص التصادم بشكل كبير بين هاتين القوتين العالميين. حيث أن الصين تركّز التزاماتها العسكرية في هذا البحر “الصين الجنوبي”، وهي أحد أهم استراتيجياتها هناك، وهو ما يضمن تفوّقها على الولايات المتحدة إذا ما دخلا الاثنان في صدامٍ في نطاقها القريب، ويزداد هذا الاضطراب حول نية الصين في معالجة أزمة الضغط الأمريكي عليها في نطاقها الجغرافي إلى نقل الصراع إلى الشرق الأوسط.
حيث تزداد فيه فرص التنافس بين القوتين، ويعزز هذا الأمر طبيعة مركبات المنطقة التي تعيش اليوم حالة ضعف بالغة الشدة وتحول دول فيها إلى هامشية نتيجة لحالة ضعفها وسيطرة قوى أخرى عليها بل وتتحالف مع مصدر التهديد ” أمريكا”، وكذلك ضعف مكونات على حساب نمو مكونات أخرى أيضاً، يدفع القوى إلي الزيادة في التنافس في ظل الفراغ الحاصل، وهو ما يعزز فرضية نمو دول المنطقة المركزية على حساب هذه الهشاشة الحاصلة، أيضاً في ظل الزيادة الحاجية للتنمية في دول المنطقة وإعلان الصين جهوزيتها بالتحرك هناك، وفي مقابل ذلك تراجع القدرة الأمريكية على سد تلك الحاجيات الاقتصادية وكذلك القدرة على المحافظة على حماية الحلفاء، حيث لم تفلح حالة الضغط الأقصى على إيران من خفض القيمة الاستراتيجية للملكة العربية السعودية الحليف التقليدي لأمريكا من رد الاعتبار على استهداف “أرامكو في خريص وبقيق” وهو ما يربك الثقة بين الحلفاء في القدرة على الحماية. وهذا الضعف يزيد أيضاً من فرص عودة القوى الأوروبية للشرق الأوسط على أساس الإرث الاستعماري القديم وقد شاهدنا نشاط فرنسا في لبنان بعد انفجار مرفئ بيروت، وكذلك طبيعة التدخلات لقوى أوروبية في قضايا الشرق الأوسط بشكل مباشر مما يزيد من فرص تصادم بين القوى الأوروبية والشرق أوسطية، والهجوم الأوروبي على تركيا حين تدخلها في ليبيا وغيره الكثير من الأمثلة على ذلك.
وفي هذا السياق فإننا سنركز على طبيعة مساحات الصين في المنطقة أولاً وثم سنركز على مخاوف الولايات المتحدة وفرص تقويض التنين الصيني:
أولاً: الصين:
منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي بدء الحديث عن إعادة تفعيل مشروع طريق الحرير الحزام والطريق وهو الطريق القديم الذي يعود إلى إرث تجارة الحرير عبر أوروبا وآسيا، وهذا الطريق كان بمثابة النطاق الحيوي لها في العهد القديم. وفي ظل استراتيجية توسعية على أساس القوة الناعمة سعت الصين لإعادة تفعيل هذا الطريق عبر ثلاث خطوط وهي: الخطّ الأول: يبدأ من شرق الصين ويمر عبر آسيا الوسطى وروسيا الاتحادية وصولاً إلى أوروبا. الخطّ الثاني: يبدأ من الصين ويمر في وسط وغرب آسيا ومنطقة الخليج وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. الخطّ الثّالث: يبدأ من الصين ويمر في جنوب شرقي آسيا وآسيا الجنوبية وصولاً إلى المحيط الهندي. هذه الخطوط الثلاث التي تعمل عليها الصين منذ إعلان هذا الطريق والتي اتسعت مساحته ودوائره عبر تلك الخطوط الثلاث من خلال التعاقدات والشركات المختلفة على أساس القوة الناعمة وصل بها إلى اختراق جدار الولايات المتحدة وعزز من جدلية الاستراتيجية التوسعية الناعمة.
وعليه فإن الصين تُخصّص لهذه المبادرة ما قيمته 3 تريليون دولار، يتركز منها ما قيمته 1,3 تريليون دولار في تطوير البنى التحتية للدول التّي يمرّ عبرها الطريق مما يزيد نموها وجودة الخدمات المرتبطة مع الصين. وعلى صعيد التكنولوجيا التي باتت الصين تتفوق فيها بشكل كبير والذي يزيد من مخاوف أمريكا أيضا حيث أنه يوجد تسع شركات صينية من أصل عشرين أكبر شركة تكنولوجيات عالمية، وهو ما يجعل نفوذها يمتد إلى النطاق السيبراني.
وهذا يعطي مؤشراً عن طبيعة المخاوف الأمريكية تجاه هذا التوسع الذي يقوض النفوذ الأمريكي ويثير مخاوفه، وحتى لا نسبح طويلاً في هذا الموضوع فإننا سنركز على الشرق الأوسط إذ أن حالة الفوضى الحاصلة في ظل حسابات القوى لتوسيع دوائر نفوذها يقوض فرص هيمنتها ونفوذها.
ثانياً: الولايات المتحدة الأمريكية:
وفي إطار الهواجس والمخاوف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك حالة انحسار وتراجع تتطلب منها الوقوف على أزماتها الداخلية التي تتعمق على حساب التوسع والهيمنة، وهو السؤال الاستراتيجي الذي هو محل اهتمام دائم: كيف ستحافظ الولايات المتحدة على توسعها ونفوذها دون الاضرار ببيئتها الداخلية والحفاظ على الولايات المتحدة شابة.
ولكن بالأرقام تجد حجم تراجع النفقات على حساب الهيمنة في مقابل نمو الصين التي باتت تقترب منها إلى حدِ ما، على سبيل المثال كانت حصّة الولايات المتحدة من الناتج الإجمالي العالمي سنة 1950 تُمثّل نصف هذا الناتج، صارت تمثّل واحد من أربعة سنة 1991، ثمّ واحد من سبعة اليوم، وقد سبّب هذا التراجع تِبعاً لذلك تقلّصاً في الخيارات الخارجية لصنّاع القرار الأمريكيين.
بل ومازالت أمريكا تنسحب من منظمات عالمية تحت مسميات غير واضحة، ولكنها تفسر وفق المعطيات على انها ترشيد النفقات على التوسع، وهذا يزيد من التراجع، إلا إذا كانت هناك خطة جديدة للحفاظ على الهيمنة دون الدفع السابق، ولكن هذا الواقع ينذر بتراجع تتضح معالمه بشكل كبير، طبعاً هذا لا يعني أنه سيشكل انهيار آني لنفوذها بل يحتاج لعقد من الزمن حتى تنمو القوى في المقابل، وأيضاً لا يعني أن يصبح الأحادي القطبية لصالح الصين، لكن الأقطاب الجديدة روسيا والصين، سيزداد تفاعلها وانتشارها، وكذلك سيزداد نفوذ القوى المتوسطة في المنطقة، وهو عودة لنظام الجيبولتك السابق قبل الحرب العالمية الثانية.
النشاط الأمريكي والصين في الشرق الأوسط ومحيطه، وعوامل الفوضى والنفوذ:
في ظل ما ذكر سابقاً حول تفاعل تلك الاستراتيجيتين في الشرق الأوسط، وكما ذكرنا حالة فوضي النفوذ وصراع الموانئ نحاول هنا التكريز على بعض المعادلات والتحولات، في طبيعة الأنشطة الصينية والأمريكية وتفاعل القوى المتوسطة معها. فعلى صعيد النمو الاقتصادي الذي تبنيه الصين في الأوسط عملت على تحقيق مجموعة من الاتفاقات لتأمين خط طريق الحرير وتفعيل قدرات الموانئ وطاقتها الاستيعابية وأهليتها بأن تكون موانئ تجارية ضخمة تستقبل أكبر البواخر، فعلى سبيل المثال وقعت مع إيران اتفاق شراكة كبير أثار القلاقل لقوى قريبة ومحيطة، ففي تقرير خاص بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أفردت فيه عقد الشراكة بين بكين وطهران، حيث قالت أن الاتفاق يتضمن 18 مسودة تفاهم في المجالات المختلفة وتتحدث عن توسيع الوجود الصيني في “البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية وعشرات المشاريع الأخرى” في إيران.
وفي هذا الاتجاه: ستقوم إيران بتخفيض سعر كميات النفط التي ستوردها للصين بنسبة 30% لمدة 25 عامًا. كما تحدثت المسودة المقترحة عن تعميق التعاون العسكري، مع “التدريبات والتمارين المشتركة”، “البحث المشترك وتطوير الأسلحة”، وتبادل المعلومات الاستخبارية. حيث ستفتح هذه المسودة من التعاون حجم التداول إلى 400 مليار دولار، حيث كانت هذه الصفقة مقترحة منذ عام 2016م، كمقترح قدم من الصين لإيران.
إن هذا التعاون مع إيران وحدها كقوة متوسطة سيزيد من مخاوف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في ظل حالة الضغط الأقصى منها على إيران، وهو الأمر الذي يخفف بشكل كبير من الحصار المفوض عليها، بل وسيعزز من نفوذ الصين على حساب أيضاً ربط ميناء جوادر الباكستاني معها، وهذا ما يهدد استراتيجيتها في المحيط الهندي، التي تتفاعل الصين معها بعقد صفقات تجارية مما يزيد من فرص ربط طريق الحرير وفاعليته في الشرق الأوسط، ففي مقال لأوريانا أوردت فيه: “أنه قد يكون للولايات المتحدة وحلفائها هيمنة عسكرية في المنطقة، لكنها لا تضمن أي نفوذ” فحول دول المحيط الهندي. في باكستان وحدها، تعهدت بكين بتمويل يقدر بنحو 87 مليار دولار وأكملت ما يقرب من 20 مليار دولار من المشاريع. في الآونة الأخيرة، وفي هذا السياق في ظل تفاعل بكين وموسكو في مجال التطوير والتدريب العسكري، حيث استضافت موسكو حديثاً قمة البريكس الثانية عشرة تقريبًا، والتي لا تصلح للمشاركة العسكرية العميقة. لكن التدريبات الثلاثية جديرة بالملاحظة لأنها تشير إلى رغبة موسكو وبكين في التعاون في المنطقة. والأهم من ذلك، أنها تكشف عن أن القوى الإقليمية مثل جنوب إفريقيا وإيران، وكذلك دول أخرى، ترحب بالدور المتزايد للصين وروسيا. وفي هذا الإطار فإن ميناء جوادر الباكستاني، الذي يخترق كشمير ويدخل إلى باكستان ليخلق حالة تفاعل مع دول المتوسط، يخلق خوف لدى حليف أمريكي وهو الهند التي تحاصرها الصين في نطاقها القريب وهو ما يخلق قلاقل لديها ويضعف التهديد الأمريكي هناك في نشاطه تجاه الباسفيك، وهو أحد أهم التحديات أيضاً والتي تتفاعل فيها الهند والولايات المتحدة والذي يشكل تحالف على أساس التهديدات الذي تواجهه الهند وتسعى لتنميته معها.
حيث لم يقتصر هذا التفاعل على الشرق الأوسط ودول آسيا الوسطي فحسب بل امتد لروسيا وأوروبا لا سيما الشرقية، إذ أن فرص تحييد تلك القوتين لصالح أحدهما يزيد من فرص الهيمنة والسيطرة، فعلى الرغم من أن روسيا الاتحادية عدة للولايات المتحدة من حيث التصنيف إلا أنها متنافسة أيضاً مع الصين، لكن التقارب بينهما في المجالات المختلفة قريب، إذ أنهما دول نطاق قريب وبينهما ترابط تاريخي على أساس مرتبط بالكتلة الشرقية في النظام الدولي. هذه السردية تنقلنا إلي موضوع آخر يساهم في خلق وزنات حقيقية تعمل عليها قوى أخرى حليفة للولايات المتحدة وهي إسرائيل.
الدور الإسرائيلي في فاعلية الاستراتيجية الامريكية وسبل خلق التوازنات في الشرق الأوسط:
إن فاعلية إسرائيل في المنطقة على حساب الجيبولتك الإقليمي، وتحركها في سد الفراغ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أو تسميته إعادة التموضع، بطريقة تخلق دور يبنى فاعلية العلاقات الإقليمية والذي ينمو فيها التطبيع بشكل أكبر وفق معطيات ممنهجة من قبل إسرائيل، ويحقق الاندماج مع الصين ويواجه المخاطر بشكل أكبر من جهة ثانية والتي ربما تتناغم فيها إسرائيل مع التيار الليبرالي بشكل أكبر في المرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار: فإن دولة الامارات التي افتتحت التطبيع الإقليمي مع إسرائيل في الفترة الحالية، تلعب دوراً هاماً أيضاُ في التشكل الجيوسياسي بلعب أدوار متعددة للتواجد الإسرائيلي فمن جهة تلعب في مساحات لخلق بيئة يمكن أن تتفاعل مع شبكة الموانئ والتي تتصل فيها من خلال الإمارات مع الهند والتي تمتد فاعليتها فيها للمحيط الهندي، وهو ما يؤمن النفوذ الأمريكي في الخليج والمنطقة الممتدة مع هذا الاتصال الجيوسياسي في خط طريق الحرير الذي ينمو بشكل كبير، لصالح الصين وحلفائها.
والذي ينقلها هذا التفاعل أيضاً لدائرة أخرى لها علاقة بمنطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر، حيث باتت هذه المنطقة أيضاً ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري، بين عدة دول وقوى إقليمية ودولية، أحدثها تركيا التي حصلت على حق إدارة جزيرة سواكن السودانية الاستراتيجية. والتي سعت كل من الإمارات وتركيا وقطر وإيران بالإضافة إلى الصين وإسرائيل لمد نفوذها والقوة في منطقة جنوب البحر الأحمر لا سيما ميناء عدن، حيث ببناء قواعد عسكرية أو الحصول على حق إدارة وانتفاع موانئ في دول إفريقية فقيرة مثل الصومال وإريتريا وأخيرا السودان. وهنا تركيز على رؤية الولايات المتحدة من ناحية التطبيع مع الإمارات، ترى أن اتفاق حليفين مهمين على التعاون المشترك سيخدم مسعاها إلى إنشاء تحالف إقليمي يخفف عنها التزاماتها الأمنية بالمنطقة ويتصدى للقوى المناوئة، وعلى رأسها إيران، وبذلك تستطيع الولايات المتحدة تركيز جهدها على احتواء النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا والنفوذ الروسي في شرق أوروبا. حيث تعتبر الإمارات من وجهات نظر متعددة تتحرك في التفاعل في الحفاظ على حصتها من الموانئ للحفاظ على أهمية موانئها الحيوية (خليج دبي- جبل على) من جهة ودعم حليفها “إسرائيل” من جهة أخرى والتي تخلق الأخيرة لها بيئة توازن تتحقق من خلالها.
الخلاصة:
إن تصادم الأقطاب الدولية على مساحات النفوذ يزداد تفاعلاً ونمواً في الفترة الحالية والمقبلة، وهو ما سيخلق بيئة أكثر فوضي في مناطق الصراع لا سيما منطقة الشرق الأوسط والتي تمتاز بالموقع الاستراتيجي الهام، وكذلك زيادة المناطق الرخوة فيها وتحول جزء من الدول إلي هامشية ستزداد بيئة التفاعل خاصة وأن القوى الكبيرة والمتوسطة تبحث عن دور هناك، وهذا يزيد مساحات الصراع وتقليص فرص النفوذ، فتركيا وإيران من جهة وإسرائيل من جهة، وأمريكا والصين وروسيا من جهة أخرى، وفي ظل اشتداد حرب الموانئ التي تمثل عصب النفوذ والاقتصاد في المرحلة المقبلة سنشهد مزيداً من ظهور موانئ جديدة قريبة من نطاقات جغرافية تعزز الجيبولتك واتفاقات جديدة توقعها الدول المتنافسة هناك.
وبالتالي: فإن الواقع الحالي إذ تم التنبؤ به بأن تظهر معالم الحرب الباردة الحاصلة حالياً، فإنها بحاجة لوقت أطول لي يحصل الفرق في ميزان القوة بين البلدين على أساس فرضية أن تنامي قوة الصين في المجال الاقتصادي والعسكري، مقابل تراجع قوة الولايات المتحدة سيزيد من اقتراب الصين للتوازي معها، وهذا سيحدث تصادم حقيقي يضع مؤشرات أفول النفوذ الأمريكي بشكل كبير وهذا بحاجة لعقد من الزمن للوصول لتلك النتيجة، في ظل صعود القوى الآسيوية وتنامي دورها، يعزز ذلك حرب الجيل الخامس 5G، والامن السيبراني وزيادة التقارب الصيني مع روسيا وأوروبا لا سيما الشرقية، والتي إلي الآن وبعد جائحة كورنا حدث فارقاً حقيقياً في الدعم الصيني لها.