عقب الانسحاب الأمريكي الكامل من الأراضي الأفغانية الذي انتهى بحلول نهاية شهر أغسطس/آب المنصرم، بدأ الحديث لمراقبين حول احتمالية تعاظم النفوذ الصيني في أفغانستان في إطار سياسة “ملء الفراغ”، خصوصاً مع الوضع في الاعتبار الحدود الصينية-الأفغانية المشتركة التي يبلغ طولها نحو 70 كيلومتراً، ويقطنها من جهة الصين أغلبية الأويغور المسلمة، وتخشى بكين أن تتحوّل إلى منطقة توتّر تقوّض أمنها واستقرارها وتهدد مصالحها الاقتصادية.
وتكتسب تلك الاحتمالية زخماً لا سيما عقب التصريحات الإيجابية المشتركة التي تبادلها القادة الصينيون والباكستانيون من ناحية، وقادة طالبان من ناحية أخرى، التي أعربت فيها الأطراف الثلاثة عن ترحيبهم واستعدادهم لدمج أفغانستان في مشروع “الممر الاقتصادي” الصيني-الباكستاني.
فما مشروع “الممر الاقتصادي” محل الذكر؟ وما صلته بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية؟
ممر استراتيجي يصل جنوب باكستان بغرب الصين
يُعتبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني “CPEC” حلقة من ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، إذ يهدف المشروع الاقتصادي الضخم إلى إنشاء بكين للبنى التحتية في باكستان وتطويروتطويرها، وذلك في إطار استراتيجية المبادرة الصينية.
ومن ضمن أبرز الملفات التي تقع في نطاق مشروع “الممر الاقتصادي” هو إنشاء طريق بري يربط مدينة “كاشغر” الحدودية الواقعة غرب الأراضي الصينية بميناء “جوادر” الواقع بأقصى جنوب غرب باكستان، كما يستهدف الممر ربط العديد من المدن الكبرى الأخرى بالبلدين عبر تطوير شبكات النقل والطرق في مدن كراتشي ولاهور وبيشاور الباكستانية.
وأُبرمت الاتفاقية حول المشروع بين بكين وإسلام آباد في عام 2013، إذ توافق البلدان على ربط مشروعاتهما القومية الاستراتيجية، وهما مبادرة “الحزام والطريق” الصينية المثيرة للجدل التي يصل مداها إلى عام 2049، مع رؤية باكستان لعام 2025.
وبموجب الاتفاقية تنفّذ الصين حزمة من مشاريع البنية التحتيّة في جميع أنحاء باكستان التي بلغت قيمتها وقت توقيع الاتفاق نحو 47 مليار دولار، فيما زادت قيمة المشاريع عام 2020 لتتجاوز الـ70 مليار دولار.
ويتّسم الممر الاقتصادي الباكستاني-الصيني بوتيرة عمل سريعة للغاية، إذ بدأ الصينيون سريعاً تطوير البنية التحتية المطلوبة لباكستان، وتعزيز اقتصادها من خلال بناء شبكات النقل الحديثة والعديد من مشاريع الطاقة، إذ تطوّر بكين شبكات الطرق السريعة والسكك الحديدية بطول وعرض الأراضي الباكستانية.
ودخل الممر حيّز العمل على نحو جزئي في 13 نوفمبر/كانون الأول 2016، إذ نُقلت البضائع الصينيّة براً إلى ميناء “جوادر” لتتابع طريقها من خلال الشحن البحري إلى دول إفريقيا وغرب آسيا، فيما اتفقت بكين وإسلام آباد أواخر عام 2017 على عدد من المشاريع الكبرى للطاقة.
وفي هذا الصدد تعمل الاتفاقية على تخفيف النقص المزمن في الطاقة في باكستان، وذلك عبر تعزيز البنية التحتية للطاقة بأكثر من 33 مليار دولار تقدّمها اتحادات خاصة، ويُنشأ بموجب الممر شبكة من خطوط الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي المسال والنفط بين البلدين، إذ خُصِصت ميزانية 2.5 مليار دولار لإنشاء خط أنابيب بين “جوادر” و”نوابشة”، التي تهدف أيضاً إلى نقل الغاز الطبيعي من إيران.
ومن ضمن مشاريع الطاقة الكبرى، تعمل الصين على توليد الكهرباء في باكستان بشكل كبير عبر الوقود الأحفوري، وتمّ تضمين العديد من مشاريع الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح أيضاً، إضافة إلى تدشين واحدة من أكبر مزارع الطاقة الشمسية حول العالم.
ووفقاً لخبراء، فإن إجمالي الاستثمارات المخططّ لها وفق مشروع الممر الاقتصادي تتخطّى جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في باكستان منذ عام 1970، وهو ما يعكس اعتماد بكين على التعاون الإستراتيجي مع إسلام آباد كأحد الركائز الرئيسية لمبادرة “الحزام والطريق”.
وتسعى المبادرة الصينية في إطارها الواسع إلى أن تنفِّذ أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، وذلك عبر إحياء “طريق الحرير” الذي ربط الصين بالعالم خلال القرن التاسع عشر، على أن تنتهي من مراحل المشروع الخمس بحلول عام 2049، الذي يتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبيّة.
وتصف الحكومة الصينية المبادرة باعتبارها “محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقاً”، غير أن العديد من الدول، وأبرزها الولايات المتحدة والهند، تنظر إلى المبادرة بريبة وسط مخاوف من تعاظم الدور الصيني عالمياً.
وبعد مرور نحو 8 سنوات منذ توقيع الاتفاق بين بكين وإسلام آباد، يمكن القول إن “الممر” لم يكن بالنسبة إلى الشعب الباكستاني مفروشاً بالورود على طول الخط، إذ تسببّ في نقص المياه والكهرباء بالبلاد، ما أثار حنقاً بين الباكستانيين الذين خرجوا في موجات احتجاجات ضد النفوذ الصيني الذي يزاحمهم في قوتهم اليومي.
هل تُضمَّن أفغانستان في الممر؟
كان الملا عبد السلام حنفي الذي عُيّن نائباً ثانياً لرئيس وزراء الحكومة الأفغانية الجديدة، صرّح بأنّ “الصين صديق يعتمد عليه لأفغانستان”، مؤكداً التزام طالبان “تطوير العلاقات الودية بين أفغانستان والصين، ولن تسمح أبداً لأي قوة باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد مصالح الصين، وستتخذ إجراءات فعّالة لضمان أمن المؤسسات والموظفين الصينيين في أفغانستان”.
وتابع بأنّ السلطات في كابل مستعدة للتعاون في إطار مشروع “الحزام والطريق” الصيني الذي “من شأنه أن يسهم في تنمية أفغانستان والمنطقة وازدهارهما”، على حد تعبيره.
ولم يخفِ الرئيس الأمريكي جو بايدن قلقه بشأن تعاون بكين مع الإدارة الأفغانية الجديدة، إذ صرّح الثلاثاء بأنه واثق من أن الصين ستحاول التوصّل إلى ترتيب مع طالبان بعد أن سيّطر قادة الحركة على السلطة في كابل منتصف أغسطس/آب الماضي.
ولدى سؤاله عما إذا كان يشعر بالقلق من أن الصين ستموّل الحركة الإسلامية علّق بادين: “لدى الصين مشكلة حقيقية مع طالبان، لذلك سيحاولون التوصّل إلى بعض الترتيبات مع طالبان، أنا متأكد”.
ويتوقّع الرئيس الأمريكي أن تحذو بكين حذو باكستان وروسيا وإيران في تقاربهم مع طالبان، وهو ما يعتبر خبراء أنّه سيضعف شوكة الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة بجانب حلفائها في مجموعة الدول السبع، حيث يمنعون وصول أي معونات إلى كابل بعد سيطرة طالبان، كما يمنعون حصول الحركة على احتياطيات أفغانستان في الخارج، التي يحتفظ الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بمعظمها.