هل تعيد الصين النظر في مقاربة “الصعود السلمي”؟

يبدو أن ثمة فرص لقيام الصين بإعادة النظر في مقاربتها للصعود السلمي التي قامت عليها سياستها الخارجية الدولية منذ 2003، ذلك أنه قد حدث العديد من التطورات والتغيرات المهمة طوال الـ18 عاماً الماضية، والتي قد تؤثّر في الأسس التي بُنيت عليها هذه النظرية.

قبل أيام، سعدتُ بالمشاركة في مؤتمر دولي أقامه في إسطنبول منتدى آسيا والشرق الأوسط بالتعاون مع إحدى الجامعات الصينية، حول الصين والقضية الفلسطينية، وأحب أن أشارك القارئ الكريم بعض الأفكار التي طرحتها في ورقتي.

منذ أن تبنّت الصين التحديثات الأربعة سنة 1978، أدارت ظهرها للثورة الثقافية، واتجهت بالتدريج نحو سياسة براغماتية تُغلِّب المصلحة على الآيديولوجيا، وتبنّت سياسات الانفتاح والتنمية الاقتصادية، مع الحفاظ على هيمنة الحزب الشيوعي على الحياة السياسية والعامة.

وفي سنة 2003 صاغ المفكّر الاستراتيجي الصيني زينغ بيغيان Zheng Begian نظرية “الصعود السلمي” التي تتحدث عن انتقال الصين تدريجياً إلى لاعب رئيسي في العلاقات الدولية، ولكن دون تهديد أمن واستقرار النظام الدولي، واستخدام أدوات القوة الناعمة كأساس لهذا الصعود. وهي نظرية متناغمة مع نظرية التنمية السلمية للرئيس السابق هو جنتاو Hu Jintao.

هذه النظرية تميل إلى عدم الانغماس في النزاعات الإقليمية، وهو ما يفسّر غيابها عن “الرباعية الدولية” المتعلقة بالشأن الفلسطيني. وتحرص على الظهور بأنها على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة، وليس لديها مشروع سياسي عالمي، وقائمة على سياسة “قل كلمتك وامشِ”، ولا تشدُّد لديها إلا في قضية تايوان التي تعدّها قضية وطنية.

وقد أرادت الصين من خلال هذه الرؤية كسب الوقت في تطوير اقتصادها وقواتها العسكرية وقدراتها التكنولوجية العالية، أي تقوية الذات في شتى المجالات، إلى أن تصبح في وضع يمكّنها من فرض نفسها دولياً. فهل استنفدت نظرية “الصعود السلمي” أغراضها، وحان للصين تعريف تموضعها الجديد، والتطلع إلى أهداف جديدة؟!

نركز في هذا المقال على أربعة مؤشرات رئيسية، مع ملاحظة أن لكل منها مؤشرات فرعية كثيرة، سنُضطرّ إلى اختيار بعضها بسبب حجم المقال المحدود.

المؤشر الأول هو المؤشر الاقتصادي الذي حقّق قفزات هائلة قياساً بكل دول العالم، إذ نلاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي GDP للصين قفز من 1.66 تريليون دولار أمريكي في سنة 2003 إلى 14.72 تريليون دولار سنة 2020 أي بزيادة نسبتها 887%، أي ضاعف حجمه نحو تسعة أضعاف. وبعد أن كان في المرتبة السادسة عالمياً صعد إلى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، أما الدول التي كانت تسبقه (بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان) فأصبح الناتج الإجمالي المحلي الصيني أكبر من الناتج الكلي لهذه البلدان مجتمعة (14.18 تريليون دولار سنة 2020) بنحو 540 مليار دولار. ومن المتوقع أن يلتحق الناتج الإجمالي الصيني بمثيله الأمريكي قبيل 2030.

ومنذ 2013 أصبحت الصين الأولى في التجارة العالمية، بحجم صادرات وواردات وصل إلى نحو خمسة تريليونات دولار سنة 2020، ويتوفر للصين احتياطات نقدية بحدود 3.2 تريليون دولار. والصين هي المصدّر الأول لنحو 35 بلداً، والمستورد الأول من نحو 25 بلداً، وهي تستثمر في سندات الخزينة الأمريكية نحو تريليون و72 ملياراً حسب أواخر سنة 2020.

وللصين صناعات في كل المجالات تقريباً، وتمكنت من تحسين جودتها مع الحفاظ على أسعار منافسة جداً. كما دخلت الصين في مشاريع عملاقة كمشروع الحزام والطريق الذي يضم نحو 70 بلداً تشمل 65% من سكان العالم، ويشتمل على طرق تجارة عالمية وموانٍ وسكك حديد وغيرها.

المؤشر الثاني هو الصعود العسكري الكبير، إذ يلاحَظ أن الميزانية العسكرية الصينية كانت 33.14 مليار دولار سنوياً في سنة 2003، وكانت الخامسة عالمياً، من حيث الإنفاق العسكري، وكانت تعادل نحو 7.6% من الميزانية العسكرية الأمريكية فقط، غير أنها قفزت إلى 252.3 مليار دولار سنة 2020 بزيادة 760%، وهي ميزانية تزيد على المجموع الكلي لميزانيات روسيا 61.9 مليار، وبريطانيا 59.2 مليار، وفرنسا 52.8 مليار، والهند 72.9 مليار، (مجموعها 246.5 مليار دولار) للسنة نفسها. وهي وإن كانت لا تزال بعيدة عن الولايات المتحدة (778 مليار دولار)، فإنها تعبّر عن تموضع عسكري نوعي عالمي جديد.

وإلى جانب أن الصين تملك نحو 350 قنبلة نووية، فقد تمكنت في السنوات الماضية من تطوير تكنولوجيا السلاح، وأصبحت أقل حاجة إلى التكنولوجيا الغربية من ذي قبل. وكان من أبرز مؤشرات تقدمها الكشف عن التقدم الهائل في الصواريخ التي تتجاوز سرعة الصوت، والتي كان من أبرزها صاروخ دونغ فينغ 41 (ريح الشرق) Dongfeng 41، وهو صاروخ عابر للقارات، يستطيع حمل عشرة رؤوس نووية، ويمكنه التحليق بسرعة تصل إلى 25 ضعف سرعة الصوت (510 كيلومترات في الدقيقة)، ويزيد مداه على 12 ألف كيلومتر، وهو ما يشكّل تحدياً استراتيجياً خطيراً للأمريكان في هذا المضمار.

المؤشر الثالث التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الواسع، وهو تطور يلاحظه العالم في الأداء الصيني في جوانب كثيرة. ونشير مثلاً إلى أن عدد براءات الاختراع المسجلة في الصين (للمقيمين Residents) كان في سنة 2007 نحو 32 ألف براءة اختراع مقابل نحو 80 ألفاً في الولايات المتحدة، أما في سنة 2019، فقفزت براءات الاختراع في الصين بشكل هائل إلى 361 ألفاً مقابل 167 ألفاً في الولايات المتحدة. ولتوضيح الفروق بشكل أكبر فإن ما سجّلته روسيا في السنة نفسها كان 20 ألفاً، وألمانيا وفرنسا نحو 12 ألفاً لكل منهما.

وفي وسائل الاتصالات خصوصاً الجيل الخامس 5G، تقدّم صيني استثنائي، هو ما دفع الولايات المتحدة إلى وضع عقوبات قاسية ضدّ شركة هواوي مثلاً، كما أطلقت الصين مؤخراً قمراً صناعياً يعمل بتقنية الجيل السادس 6G (مثلاً تستطيع تحميل 142 فيلماً في ثانية واحدة).

المؤشر الرابع يتعلق بشبكة العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية والاستثمارية الواسعة التي تمكنت الصين من نسجها طوال السنوات الماضية، بحيث صارت صاحبة الحضور الأقوى في آسيا وإفريقيا، وفي منظومة المصالح المتبادلة مع الكثير من البلدان. وما يعزّز هذا المؤشر عدم وجود ماضٍ عدائي استعماري للصين، مما يسهّل قبولها لدى دول وشعوب العالم، في مقابل الصورة الاستعمارية الإمبريالية لأمريكا والدول الغربية.

ولا تعني المؤشرات السابقة أن الصين قد حققت كل أهدافها من “الصعود السلمي”، ولا أنها أصبحت في وضع عالمي متفوق على الولايات المتحدة، فما زال أمامها شوط طويل. غير أنه من الواضح أن في مكانة الصين العالمية في سنة 2021 تغيراً استراتيجياً ضخماً، عنه في سنة 2003، وأنَّ الكثير من أهداف نظرية “الصعود السلمي” قد تمّ تحقيقه، وأن عدداً من المعطيات التي بُنيت عليها هذه النظرية لم تعد قائمة. ثم إن الصعود السلمي للصين لم ينجح في تخفيف الشعور الأمريكي بمخاطر صعود هذا المارد، مما جعل أمريكا تركز في المنافسة والمخاطر المحتملة على طرفي المحيط الهادئ، وأصبح الصعود الصيني يُواجَه بالمعوقات والعراقيل، التي تحشره في زاوية الدفاع عن النفس، وتفعيل دوره السياسي العالمي. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا عدداً من مظاهر التراجع الأمريكي العالمي، وسير العالم باتجاه منظومة متعددة القطبية، فإن الصين التي فرضت نفسها فرضاً، ستجد نفسها إن عاجلاً أو آجلاً تراجع نظريتها في “الصعود السلمي” لتقدم رؤية مُطوَّرة تتناسب مع تموضعها العالمي الجديد، ولتواجه التحديات الجديدة الناتجة عن هذا التموضع.

وفي المقابل، فما زال هناك عدد من الجوانب الرخوة في المنظومة الصينية. فالنظام الصيني ما زال نظاماً سياسياً شيوعياً تحت حكم الحزب الواحد، يحمل مكونات هجينة لنظام براجماتي ومنظومة اقتصادية متداخلة مع المضامين الرأسمالية. وهو يعاني من أزمات حقيقية في تفشي الفساد وضعف الشفافية؛ كما أنه يخشى من الأثمان الكبيرة المحتملة للانفتاح والحريات السياسية. ويعاني النظام من المشاكل الاجتماعية التي نتجت عن تحديد النسل، والتراجع السلوكي والقيمي للجيل الصيني الشاب، وانعكاسات ظاهرة العولمة والظواهر الاستهلاكية على المجتمع الصيني. وهو ما قد يجعل التَّحول إلى رؤية جديدة بتموضع عالمي جديد عملية محفوفة بالصعاب، مما قد يؤخر إمكانية تنزيلها على الأرض.

المصدر: TRT عربي

China and the Palestinian Cause: Understanding and Changing Systems of International Support

Many interpretations of some political phenomena tend to be limited to one level of analysis, and this analysis is often criticized for reducing or marginalizing other aspects. Even if this level is the most important.

Those who depend on the change in the international system as a basic level of analysis consider the change in the international system as a major independent factor, and any change in the different regions and regions of the world is a dependent change without addressing the local, regional or even personal factors represented in the roles, perceptions and ideologies of leaders. Their view is narrow and limited.

Practically speaking, if we apply this matter to the Palestinian cause, the Israeli occupation, and the establishment of an occupied entity on the land of Palestine in 1948, many see that this matter is the result of a change in the international system and one of the consequences and results of World War II. What is happening is in the form and nature of the new international system, which has moved to bipolarity, and the occupation has been able to obtain legitimacy from the two poles of the international system and the absolute support of one and the strongest of them, at least. However, there were internal regional and local factors that influenced this matter.

In this article, we talk about the level of the international system and the change in it that can happen, and this introduction was necessary to confirm that even if we rely on the level of the international system as a level of analysis, even if the level of analysis is the most important from one of the points of view, there are other levels of analysis that must be done observe them in order to complete the angles of interpretation of the scene.

If we look around, the United States, which has been on the throne of the international system since almost 1990 alone, was unable before our eyes to build a solid state in Iraq and was forced to leave Afghanistan for the benefit of the Taliban movement, which it fought for 20 years.

On the other hand, almost all commentators on the shape of the international system agree that the international system is no longer under the absolute dominance of the United States, and that there is a state of liquidity. Others believe that with the rise of China and the survival of the United States as a power and the rise of other powers, the state of the international system is heading towards a multi-polar form.

From our point of view, there is no doubt that all issues of liberation depended on real force in the face of occupation and colonialism, so the military force accumulated and allied itself with forces that support peoples’ rights or are anti-colonial. Therefore, it is necessary to pay more attention to these two paths, as they may overlap.

Unfortunately, the Israeli occupation has succeeded so far in maintaining good relations with all the major international powers from the United States to China to Russia and the European Union and has successfully managed its relations with them despite the contradictions. His country is considered historically supportive of the Palestinian cause, due to the common history of confronting colonialism. Therefore, this arena must not be left for the Israeli occupation to let loose and have fun without hindrances. Rather, it must be exceeded in order to obtain support and legitimacy for the benefit of the oppressed party.

As for China, too, China supported the cause of the Palestinian people in its beginnings, but its position has changed, and this article is not to study the reasons for this transformation at that time, but China today is not the China of the seventies or even the nineties. Polarity or even bipolarity, and most importantly, it is rising while the rest of the powers are in a state of decline (the rise today and strength is different from the rise and strength in previous periods of transformation in the international system), and it also has a specific strategy towards the region, and therefore it is important to strive to establish specific formulas as well. And finding appropriate positions in this strategy in a thoughtful and early manner to benefit from it in a way that serves the just cause and the last issue of liberation from colonialism in the world.

In this context, at the end of October 2021, we participated in the “China and the Palestinian Cause” Conference organized by the Asia Middle East Forum (AMEF) in Istanbul as an initiative step to highlight the importance of looking at this rising power and searching for possible opportunities to benefit from the relationship with it in light of the open confrontation with the occupation and in light of the closure the regional situation.

From my point of view, this step is a necessary step and it must take advantage of all means to realize China’s strategy and interests on the one hand, and the contradiction of the occupation and its supporters with it.

As we started, we must point out that there is change at the international level, and there is change at the regional and local levels, at the Palestinian and Israeli levels, the last of which was Saif al-Quds War in May 2021, which showed many signs of transformation and change. Unfortunately, the Israeli occupation enemy has greatly outnumbered us in this regard. It is time to overturn this equation. Here, it is necessary to mention the necessity of having the tools of reading, initiative, positioning and mastery in choosing them.

To stay away from desirability, the path to obtaining international support from the major powers is not easy and without major obstacles, which is well known in all paths of liberation.

الصين والقضية الفلسطينية: فهم وتغيير معادلات الدعم الدولي

تميل كثير من التفسيرات لبعض الظواهر السياسية إلى الاقتصار على مستوى تحليل واحد وغالبا ما يتم انتقاد هذا التحليل للاختزال أو التهميش للجوانب الأخرى، ولتجنب قصور أحد مستويات التحليل فإن الاعتماد على أكثر من مستوى تحليل يمكن أن يوفر ضمانات للحصول على نتائج أوثق من الاعتماد على مستوى واحد حتى لو كان هذا المستوى هو الأهم.

إن المعتمدين على التغيير في النظام الدولي كمستوى تحليل أساسي يعتبرون التغيير في النظام الدولي كعامل مستقل رئيسي وأي تغيير في الأقاليم والمناطق المختلفة من العالم هو تغيير تابع دون التطرق للعوامل المحلية أو الإقليمية أو حتى الشخصية المتمثلة في أدوار الزعماء وتصوراتهم وأيديولوجياتهم، وإن تم ذلك يكون وفق نظرهم في نطاق ضيق ومحدود.

وبشكل عملي إذا طبقنا هذا الأمر على القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وإقامة كيان يهودي على أرض فلسطين عام 1948 فإن كثيرين يرون أنَّ هذا الأمر نتيجة التغيير في النظام الدولي وأحد تبعات ونتائج الحرب العالمية الثانية، وفي الحقيقة قد يكون هذا أقوى مستويات التحليل حيث تم الاعتماد على التغيير الحاصل في شكل وطبيعة النظام الدولي الجديد الذي انتقل إلى ثنائية القطبية وقد استطاع الاحتلال الحصول على الشرعية من قطبي النظام الدولي وعلى الدعم المطلق من أحدهما وأقواهما على الأقل. ولكن مع ذلك كانت هناك عوامل إقليمية ومحلية داخلية أثرت في هذا الأمر.

نتحدث في هذه المقالة عن مستوى النظام الدولي والتغيير الحاصل به والذي يمكن أن يحصل، وقد كان لابد من هذه المقدمة للتأكيد أنه حتى لو اعتمدنا على مستوى النظام الدولي كمستوى تحليل ولو كان مستوى التحليل الأهم من إحدى زوايا النظر فإن هناك مستويات تحليل أخرى لابد أن يتم مراعاتها لكي تكتمل زوايا تفسير المشهد.

إذا نظرنا حولنا فإن الولايات المتحدة التي تربعت على عرش النظام الدولي منذ عام 1990 تقريبا وحدها.ولم تستطع أمام أعيننا بناء دولة راسخة في العراق واضطرت مجبرة على الخروج من أفغانستان لصالح حركة طالبان التي حاربتها 20 عاما. 

على الجانب الآخر يكاد أغلب المعلقين على شكل النظام الدولي يجمعون أن النظام الدولي لم يعد تحت هيمنة مطلقة للولايات المتحدة، وأن هناك حالة سيولة ويرى آخرون أنه مع صعود الصين وبقاء الولايات المتحدة كقوة وصعود قوى أخرى فإن حالة النظام الدولي تتجه نحو شكل متعدد القطبية. 

ومن زاويتنا فإنه ما من شك أن كل قضايا التحرر اعتمدت على القوة الواقعية في مواجهة الاحتلال والاستعمار فراكمت القوة العسكرية وتحالفت مع قوى مناصرة لحقوق الشعوب أو معادية للاستعمار. ولهذا لابد من الاهتمام بشكل أكبر بهذين المسارين ولعلهما متداخلان.

وللأسف فإن الاحتلال الإسرائيلي ناجح حتى الآن في الحفاظ على علاقات جيدة مع كل القوى الدولية الكبرى من الولايات المتحدة إلى الصين إلى روسيا والاتحاد الأوروبي ويدير علاقاته معها بشكل ناجح بالرغم من التناقضات، وللأسف تجاوز ذلك للتطبيع مع القوى الإقليمية وقد دخل مؤخرا حتى إلى الاتحاد الإفريقي الذي تعتبر دوله داعمة تاريخيا للقضية الفلسطينية بحكم التاريخ المشترك في مواجهة الاستعمار. ولهذا لابد من عدم ترك هذه الساحة للاحتلال الإسرائيلي يسرح ويمرح بها دون عوائق بل لابد من تعدي ذلك للحصول على الدعم والشرعية لصالح  الطرف المظلوم.

بالنسبة للصين أيضا فقد دعمت الصين قضية الشعب الفلسطيني في بداياتها ولكن موقفها شابه تحول وليس هذا المقال لدراسة أسباب هذا التحول في ذلك الوقت ولكن الصين اليوم ليست الصين في السبعينيات أو حتى التسعينيات إن الصين اليوم قوة عظمى وفي طريقها لتكون أحد أقطاب النظام الدولي في نظام متعدد القطبية أو حتى ثنائي القطبية والأهم من ذلك أنها صاعدة فيما بقية القوى في حالة تراجع (والصعود اليوم والقوة يختلف تعريفهما عن الصعود والقوة في فترات التحول السابقة في النظام الدولي) كما أن لها استراتيجية محددة تجاه المنطقة ولهذا من المهم بمكان السعي الدؤوب لتأسيس صيغ محددة أيضا وإيجاد المواضع المناسبة في هذه الاستراتيجية بشكل مدروس ومبكر للاستفادة منها بما يخدم القضية العادلة وآخر قضية تحرر من الاستعمار في العالم.

وفي هذا السياق فقد شاركنا في نهاية أكتوبر 2021 في مؤتمر الصين والقضية الفلسطينية الذي نظمه منتدى آسيا والشرق الأوسط في إسطنبول كخطوة مبادرة لتسليط الضوء على أهمية النظر إلى هذه القوة الصاعدة والبحث عن الفرص الممكنة للاستفادة من العلاقة معها في ظل المواجهة المفتوحة مع الاحتلال وفي ظل الإغلاق الذي تعيشه الحالة الإقليمية. 

من وجهة نظري تعد هذه الخطوة خطوة لازمة ولابد أن تستفيد من كل الوسائل لإدراك استراتيجية الصين ومصالحها من جهة وتناقض الاحتلال وداعميه معها، وللتوضيح ليست هذه دعوة للتحول لأداة للصين أو لغيرها بل هي دعوة للاستفادة من كل مسار دولي يمكن أن يخدم قضية تحرر.

وكما بدأنا لابد أن نشير أنه يوجد تغيير على المستوى الدولي ويوجد تغيير على المستوى الإقليمي وعلى المستوى المحلي فلسطينيا وإسرائيليا وكان آخرها معركة سيف القدس في مايو 2021 والتي أظهرت الكثير من علامات التحول والتغيير، وهذه التغييرات تجلب معها فرصا وتحديات ومن يقرؤها جيدا ويبادر ويتموضع بشكل صحيح هو الذي يجني النتائج وللأسف تفوق عدونا الإسرائيلي في ذلك علينا سابقا وبشكل كبير وحان الوقت لقلب هذه المعادلة. وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة توفر أدوات القراءة والمبادرة والتموضع والإتقان في اختيارها.

وللبعد عن الرغائبية فإن طريق الحصول على الدعم الدولي من القوى الكبرى ليس سهلا ودونه عوائق وعقبات كبرى وهو أمر معروف في كل مسارات التحرر.

المصدر: تلفزيون سوريا

منتدى آسيا والشرق الأوسط يستضيف شخصيات دولية وفلسطينية في الجلسة الثانية “الجلسة البحثية” لفعاليات “جلسة فلسطين” بالتعاون مع مجلس العلاقات الدولية- فلسطين

استحضر المشاركون، خلال جلسات المؤتمر العلاقات التاريخية الصينية الفلسطينية، والروابط السياسية والثقافية، مؤكدين على أن التاريخ والحاضر يدفعان العلاقة بين الطرفين إلى بذل المزيد من الجهود التي من شأنها توسيع الأرضية المشتركة، نحو تعزيز الشراكة السياسية، والاقتصادية، والثقافية، بين الشعب الصيني وشعوب المنطقة العربية والإسلامية عامة، والشعب الفلسطيني خاصة.

ألقى د. وائل المبحوح، باحث في الشؤون السياسية بوزارة الثقافة الفلسطينية ومحاضر غير متفرغ في العديد من الجامعات الفلسطينية، كلمته الأولى في الجلسة البحثية بعنوان “مستقبل الدور الصيني تجاه القضية الفلسطينية، هل يُصلح الخلل في التوازن الدولي؟” “هل يمكن أن تكون الصين بديلاً أفضل عن الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد؟” والتي ذكر فيها د. وائل سمات السياسة الخارجية الصينية التي حددها وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” عام 2011 خلال زيارته إلى السودان، وهي: أن الصين تلتزم دائماً بمبدأ استقلالية السياسة الخارجية، تعارض الصين نزعة الهيمنة إلى حفظ السلام الدولي، تعمل الصين بنشاطٍ على إقامة نظامٍ سياسيٍ واقتصاديٍ دوليٍ جديد عادلٍ ومنصف، تنتهج الصين سياسة الانفتاح شامل الأبعاد على الخارج، تستعد لإجراء التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والفني والتبادل العلمي والثقافي على نطاقٍ واسعٍ مع بلدان العالم، تحرص الصين على إقامة وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع جميع البلدان على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، عدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.

وأوضح د. المبحوح أن الصين لم تكن دولةً استعمارية أو تطمح لذلك، وأن السياسة الخارجية للصين هي سياسة متحفظة وتتحرك بحذرٍ شديد في بيئةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقدة. “إن هدف الصين الأساسي هو ضمان المصالح العليا والحفاظ على أكبر قدرٍ من الصداقات وتجاوز عنق الزجاجة الجيو- استراتيجي الذي تهتم به الصين بشكل مباشر.” وكانت الصين أولى الدول الغير عربية التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت في الوقت نفسه الاعتراف ب “إسرائيل” بالرغم من اعتراف “إسرائيل” بالصين الشعبية. وأصبحت الصين أيضاً بعد ذلك الدولة الكبرى التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وعكَس الخطاب السياسي الصيني لهجةً عدائيةً تجاه إسرائيل بوصفها “عميلة الاستعمار وأداة للإمبريالية وشريكة للاستعمار الجديد”.

لكن حدثت بعد ذلك تحولات في هذه السياسة الصينية، حيث بدأت الصين منذ منتصف الثمانينات بالتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع إسرائيل. وذكر د. وائل بعض التصريحات التي وردت حول هذا الموضوع منذ منتصف الثمانينات على لسان رئيس مجلس الدولة الصيني عندما كان يلقي محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية وعبر فيها عن الموقف الصيني للقضية الفلسطينية فلم يتطرق في هذه المحاضرة إلى أي تفصيلات حول هذه الحقوق، ولم يُشر إطلاقاً إلى إصرار الصين التقليدي على مبدأ الكفاح المسلح. وهذا التوجه في السياسة الصينية أكده وزير الخارجية الصينية عام 1986 عندما صرح بقوله: “إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط”. إذاً هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وهذا يؤكد أن السياسة الخارجية لأي بلد تحكمه المصالح فقط وربما تتقدم هذه المصالح على المبادئ في كثيرٍ من الأحيان. واختتم د. وائل المبحوح قوله: “ستستمر الصين بموقفها المؤيد للحق الفلسطيني وانتقاد السياسة الأمريكية لدعمها للاحتلال، بالرغم من تراجع مستوى هذا التأييد مقارنةً بالموقف التاريخي الداعم بقوة للنظام الفلسطيني في عهد ماو تسي تونغ وستحافظ الصين على موقفها المنسجم مع القانون الدولي.”

من جهته، قال أ. بدر الدين صيام، وهو مساعد باحث في جامعة الدفاع الوطني الماليزية، في كلمته بعنوان “الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط”، أن “منطقة الشرق الأوسط وقعت ضمن استراتيجيات طورتها جمهورية الصين الشعبية لتتفادى سياسة الاحتواء والتطويق الأمريكية التي فُرضت عليها في جنوب شرق وشرق آسيا.”  وتطورت هذه الاستراتيجية بعد مجموعة من التغيرات الداخلية والخارجية تأثرت بها جمهورية الصين الشعبية. والتقت هذه المصالح الصينية العليا مع القيمة الاستراتيجية للشرق الأوسط ومنها: تأمين موارد الطاقة، حيث أصبح من الواضح أن الموارد الاقتصادية وتأمين موارد الطاقة واحداً من أهم محددات السياسة الخارجية للصين وخاصةً تجاه دول منطقة الشرق الأوسط الغني بالنفط والغاز والذي يُعتبر المُصدِّر الأول للنفط والغاز إلى الصين. هذه الميزة للشرق الأوسط جعلت منه ذو قيمة استراتيجية للصين.

وأضاف أ. بدر الدين صيام أن من هذه المصالح والاستراتيجيات الأهمية الجغرافية الاستراتيجية للشرق الأوسط. حيث يعتقد الخبراء الصينيون بما أن الشرق الأوسط ذو موقع مركزي وعالمي ومهم في الخريطة السياسية للأرض، ومنطقة تتمتع بأهمية جغرافية كبيرة، فغن الولوج إليه فرصة الصين لتحقيق رغبتها في توسيع نطاقها الجغرافي ونفوذها الاستراتيجي إلى أبعد من جوارها المباشر في دول آسيا والمحيط الهادي. وثالث نقطة من المصالح الصينية هي استراتيجية التوجه غرباً بمعنى إصلاح الأقاليم الداخلية في غرب الصين والانطلاق إلى سياسة فردية جديدة تجاه آسيا ومنها الشرق الأوسط ولتفادي سياسة الاحتواء والتطويق الأمريكية التي كانت تعتقد الصين أنه من الصعب مواجهتها بشكل مباشر لأن هذه الطريقة لا تتناسب مع الصعود الصيني الهادئ.

وصرح أ. صيام أن “الصين تسعى لتحسين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ودول أسيا الوسطى التي لا تملك فيها الولايات المتحدة تحالفات قوية لتطويق الصين واحتوائها في تلك المنطقة ومنها الولوج إلى منطقة الشرق الأوسط وتعزيز وتوسيع نطاقها الجغرافي والسياسي والاقتصادي.” وأعلنت الصين مبادرة الحزام والطريق والشراكات الاستراتيجية في الشرق الأوسط. هذه المبادرة تحمل سياسة خارجية جديدة تجاه آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأن الشرق الأوسط له أهمية كبيرة لأنه يجمع بين خطي الحرير البري والبحري. وأخيراً، سعت الصين إلى تأمين المصالح الصينية وموازنة النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. أدركت الصين أنه يجب عليها لحماية هذه المصالح التي تشكلت أن تزيد من تدخلها في هذه المنطقة وقضاياها، ومنها القضية الفلسطينية. وشعرت الصين بضرورة استغلال الفراغات الاستراتيجية الناتجة عن انشغال الولايات المتحدة بترميم صورة هيمنتها في الأقاليم الأخرى غير الشرق الأوسط.

واختتم أ. بدر الدين صيام كلمته بقوله: “ستبقى منطقة الشرق الأوسط أهم المناطق الجغرافية السياسية بالنسبة للصين بعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومن المرجح أن الصين ستستمر بتطوير علاقاتها مع دول المنطقة رغبةً منها برعاية مصالحها الاستراتيجية العليا وتعزيز شراكاتها السياسية والاقتصادية استمراراً لسياسة الصعود الهادئ الصيني وربما سيشكل هذا الصعود فرصة لكسر الهيمنة الأمريكية في المنطقة وفي القضية الفلسطينية.”

من جهة أخرى، عبرت د. بثينة الزواهرة، وهي مُحَاضِرة في دراسات الشرق الأوسط في الصين ومتخصصة في الشأن الصيني والعلاقات العربية الصينية، في كلمتها بعنوان “دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط” عن قدرة الصين في لعب الدور الذي عجزت عنه أميركا في خضام أزمات الشرق الأوسط اللامتناهية.  

حيث قالت د. الزواهرة: “كانت الولايات المتحدة على الدوام راعيةً للسلام والفوضى في آنٍ معاً. فكانت الوسيط الأهم والأقوى بين الوسطاء الدوليين لحل النزاعات في الشرق الأوسط لاسيما النزاع بين العرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وبالرغم من تباين الإدارات الأمريكية في وساطتها بين مدٍ وجزرٍ واختلاف الأدوار تارةً كوسيطٍ منحازٍ يسعى للظهور بصورة المعتذر وتارةً كوسيطٍ منحازٍ بشكلٍ صارخٍ نحو الجانب الإسرائيلي. فتشكل لدى الجانب العربي قناعةً بأن أميركا غير قادرة على تحقيق السلام في المنطقة بين العرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى اتهامها بخلق أزماتٍ في أماكن مختلفة وذلك لاتباع أميركا لسياسة الفوضى الخلّاقة. الأمر الذي ترتب عليه زيادة تأزيم الأوضاع في الشرق الأوسط على مدار سنواتٍ طويلة وخلق أزماتٍ لا تنتهي، فلا يكاد يخمد وهج أزمةٍ حتى يكاد يشتعل لهيب أزمةٍ أخرى”.

ومن هنا، برزت الحاجة إلى طرفٍ جديدٍ يمتلك القدرة على التأثير ولعب دور الوسيط النزيه وأن يحوز على ثقة كافة الأطراف. فظهرت الصين لتسد الفراغ وتلعب هذا الدور وقد تجلى ذلك من خلال مواقفها الأخيرة لاسيما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة في مايو 2021. وأضافت د. الزواهرة أنه “تمتاز علاقات الصين مع أطرافٍ فاعلةٍ إقليمياً في الشرق الأوسط بالجيدة، وتوصف بالممتازة مع بعض الدول. هذا بالمقابل مع علاقاتٍ أمريكيةٍ متوترةٍ بدرجاتٍ متفاوتة مع بعض الأطراف في الشرق الأوسط.”

وتثبت الدراسات العلمية الحديثة بأن هناك توجه عربي جديد يمتلك القدرة على التأثير ولعب دور الوسيط النزيه وأن يحوذ على ثقة كافة الأطراف. ففي دراسةٍ نُشرت في مطلع 2020 في موقع الباروميتر العربي حول الرأي العام العربي ل 12 دولة عربية، تبين أن 6 من هذه الدول تُفضل علاقاتٍ أقوى مع الصين وأنها تطمح بأن تصبح علاقاتها مع الصين أقوى من علاقاتها مع الولايات المتحدة. كما بينت الدراسة بأن 61% من عموم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يُفضل تلقي المساعدات الخارجية من الصين ويرى بأن تزايد الدور الصيني سيكون مُرحباً به من قبل شعوب المنطقة. وهذا مؤشرٌ مهمٌ على المستوى الشعبي العربي للطريقة التي يُنظر من خلالها الشعب للصين والولايات المتحدة على حدٍّ سواء.

وبهذا تقول د. بثينة الزواهرة: “ترى الصين وجوب إيجاد تصور جديد في المنطقة يكمن في التعاون الأمني الجماعي المتبادل والدائم وأن يُبنى ذلك على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية لاسيما التدخل العسكري وحل النزاعات بالطرق السلمية وأن يترافق ذلك مع تعاون اقتصادي كبير وعميق.”

بدوره، أكد م. أحمد نصار، كاتب في الشأن الصیني وعضو في الاتحاد الدولي للصحفیین والإعلامیین والكتاب العرب أصدقاء الصین منذ عام ٢٠١٦، حول “تاريخ السياسة الخارجية الصينية تجاه القضية الفلسطينية” على عدالة الصين في سياستها تجاه قضايا الشرق الأوسط في تحقيق سلامة الشعوب والتأكيد على أمنها واستقلالها والحفاظ على الأرواح ونبذ العنف والتوجه للحلول السلمية، ولعل على رأس القضايا في الشرق الأوسط القضية الفلسطينية والتي تبلورت رؤية الصين تجاهها منذ زمن بعيد ولم تتغير هذه الرؤيا المعتدلة مع تغير العوامل والمؤثرات سواء في فلسطين أو في العالم على حدٍ سواء. وقد سُطرت هذه السياسات في مبادئ عدة أهمها مراعاة مصلحة المجتمع الصيني ككل في المرتبة الأولى، والحفاظ على ديمومة التطور الاقتصادي والاجتماعي بنظرة متقدمة مع مرونة التغير السليم العالمي، وقيادة الشعب الصيني على اختلاف قومياته على طريق الإصلاح والانفتاح.

وأضاف م. نصار أن “هذه المسيرة تتسم بالثبات والقوة وقد وصلت الصين إلى صورتها الحالية كدولة معاصرة قوية وعظمى واستطاعت أن تؤكد على صوابية النهج وصلاحية النظريات على مختلف الأصعدة واضعة نصب أعينها الوصول إلى بر الحياة السعيدة كهدف للكفاح والتضحية.”

وقد أبدت الصين تأييداً مستمراً للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وإقامته لدولته المستقلة. واستمرت سياسة الصين الخارجية بنهجٍ مؤيد ثابت للحقوق العربية. وبدأت أولى ملامح تغير السياسة الخارجية للصين الشعبية بعد قيام الجمهورية باعتراض ممثل الصين داخل مجلس الأمن في 19 آذار 1948 على تدخل الأمم المتحدة عسكرياً وفرض قرار التقسيم على العرب بالقوة. وفي 15 أيار/مايو عام 1948، أعلن المندوب الصيني أسفه لاعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل؛ لأن ذلك قد زاد من المصاعب على مجلس الأمن في إيقاف الصراع القائم في فلسطين. كما أن الاعتراف الأمريكي قد أفقد لجنة الهدنة حيادها الذي كان يُعتبر الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الصراع، واعتبرت الصين أنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يُخولها حق تقسيم أي دولة لذلك اعترضت على قرار التقسيم وكانت ترى أن الولايات المتحدة منحازة للجانب الإسرائيلي. وكذلك فقد جاء الموقف الصيني في حرب حزيران/ يونيو عام 1967 على المستوى الرسمي مؤيداً سياسياً كاملاً للقضية العربية. وقد تُرجم هذا التأييد جماهيرياً بتظاهرات انطلقت في بكين ل 3 أيام متتالية ضمت حوالي مليون ومئتي ألف صيني تضامناً مع الشعب العربي وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي على الدول العربية.

وعلى المستوى الدبلوماسي الرسمي، بادرت الصين عام 1988 بعد إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطين المستقلة في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1988 في دولة الجزائر، إلى الاعتراف بهذه الدولة. وفي أوائل عام 1989، رفعت الحكومة الصينية مستوى التمثيل الفلسطيني إلى مرتبة سفارة دولة كاملة تتمتع بكامل وكافة الحصانات والامتيازات الممنوحة لأي سفارة بأي دولةٍ أخرى. وقد تم اعتماد أوراق أول سفير فلسطيني للصين السيد/ يوسف رجب الرضيع وتم رفع العلم الفلسطيني في مراسم رفيعة المستوى.

أما حاضراً، فقد رفضت الصين بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت عام 2007، التمييز بين أعضاء هذه الحكومة. وبهذا ف “إن الرؤية الصينية الثابتة والواضحة للقضية الفلسطينية تؤكد على حكمة هذه الهوية وعدالة قضيتها في نفس الوقت.” فالصين، الدولة الاقتصادية العظمى وعلى الرغم من مصالحها المرتبطة بالعديد من الدول التي لا تتبنى رؤيتها تجاه فلسطين، فإنها تؤكد على أن جذور الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين تكمن في بقاء القضية الفلسطينية عالقة دون حل. وفي هذا الصدد، “تدعم الصين حق فلسطين في إقامة دولة مستقلة مع ضرورة توفير المساعدات للشعب الفلسطيني. وكذلك فإن الصين دائماً ما تدعو إسرائيل إلى الالتزام بالقانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات صلة، كما دعت إلى ذلك في مجلس الأمن في جلسة افتتاحية مفتوحة بتاريخ 16 مايو 2021.”

وحول موضوع “الموقف الصيني من القضية الفلسطينية بين الأيدلوجية والمصالح الاقتصادية” قال أ. تيسير محيسن، مستشار دبلوماسي في وزارة الخارجية الفلسطينية، ومحاضر غير متفرغ في عدد من الجامعات الفلسطينية، وكاتب ومحلل سياسي في الشؤون العربية والدولية وناشط ومقدم برامج سياسية عبر وسائل الاعلام، “إن الصين وفق الأيدلوجية التي بُنيت عليها منذ انتصار الثورة في بداية 1949 كانت مرجعية التفكير الأيدلوجية في بناء السياسة الخارجية للدولة الصينية هي الفكر الاستراتيجي الذي كان ممتداً في العالم ذلك الوقت.”

حافظت الصين على علاقة وطيدة ومتقدمة مع القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية. فمنذ نهاية السبعينات وحتى اللحظة، إن تقدم المصالح للصين على الأيدلوجيا كان مرجعية رسم السياسة الخارجية الدولية في كل تقاطعاتها مع مناطق العالم. وهذا ينسحب أيضاً في القضية الفلسطينية حيث لم يكن هناك اعتراف بإسرائيل من نهاية السبعينات وحتى منتصف الثمانينات. حيث كان هناك تقدماً كبيراً في العلاقات البينية بين الصين و
إسرائيل” مع ازياد في حجم التبادل التجاري بينهما. تمثل الصين الآن ثالث شريك تجاري لإسرائيل، وأول شريك تجاري في منطقة آسيا لإسرائيل.

وأضاف أ. محيسن أن “هذا الابتعاد بمساحة كبيرة عن الأيدلوجية والذهاب إلى أن تكون المصالح هي الحاضرة في رسم معالم وبنية السياسة الخارجية للصين أدى إلى: انخفاض في لهجة الصين العدائية لإسرائيل بشكل مباشر، انخفاض في الدعم الغير محدود الذي كانت تتلقاه منظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1989 اعترفت الصين بحق إسرائيل في الاستقلال والبقاء -وهذا لم يكن موجوداً- وسعت في نفس الوقت إلى إقناع الفلسطينيين بضرورة الدخول في عملية سلام مع الإسرائيليين.”

وفي منتصف الثمانينات، بدأت الصين بالتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للصراع العربي الإسرائيلي. فعلى الرغم من مستوى شجاعة وقوة الموقف الصيني في الأمم المتحدة وامتلاكها حق الفيتو، إلا أنه لم يتجاوز حدود الامتناع والرفض والتأييد للفلسطينيين دون التقدم بخطوات عملية أخرى. وصرح أ. تيسير محيسن بأن “هناك سكوت من قبل الصين في الوقت الذي ينبغي لها أن تتحدث بقوة لصالح الشعب الفلسطيني.” فتراجع الأيدلوجية الفكرية المرجعية للسياسة الخارجية الصينية وتقدم الارتباطات الاقتصادية والتجارية لا تمثل عائقاً أمام الدبلوماسية الفلسطينية لأجل استعادة أقصى أدوار يمكن أن تذهب إليها الدولة الصينية في التعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي.

أما الدكتور علي أبو رزق، كاتب دائم في قسم التحليلات السياسية في الأناضول الإنجليزية، صحيفة ديلي صباح، وMENA Affairs، فقد أوضح في كلمته بعنوان “دعوات الصين لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين: التوقيت، الفرص، التحديات” أن الصين تتوجه بأن تنخرط بعمق في قضايا الشرق الأوسط كجزء لا يتجزأ من سعي الصين للوصول إلى الموارد والأسواق العالمية ومناطق التأثير الاقتصادي والدبلوماسي، وهذا في قلب الشرق الأوسط. وقد أبدت القيادة الفلسطينية في رام الله ترحيباً لموقف الصين ودعوة الصين لضبط محادثات، ولكن كان هناك تجاهلاً إسرائيلياً واضحاً لتلك الدعوات.

بالنسبة للتوقيت، جاء هذا العرض تزامناً مع مجموعة من الأحداث والتطورات الجيوبولوجية في منطقة الشرق الأوسط والعالم. أولها مبادرة الحزام والطريق التي أُطلقت في عام 2013 وأُدمجت في دستور جمهورية الصين الشعبية عام 2017. فمنطقة الشرق الأوسط تقع في قلب المشروع الصيني وفي قلب المبادرة لتحويل الحلم الصيني إلى واقع. حيث تقع منطقة الشرق الأوسط في تقاطعات طرق النفط المغذية لكل العالم. بالإضافة إلى أن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الأكثر قرباً من مناطق الملاحة البحرية للتجارة العالمية. فهذه المنطقة يوجد فيها منطقة الفسفور ومضيق الدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز؛ ولذلك أدركت الصين أن عليها لعب دور سياسي في هذه المنطقة فحاولت التخفيف من ضغط رواية الولايات المتحدة الأمريكية حول القضية الفلسطينية. حيث قالت وزيرة الخارجية الصينية للأمم المتحدة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة: “عليكم أن تتخذوا موقفاً الآن لأن الفلسطينيين يعانون ويجب وقف المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وخصوصاً ضد الأطفال.” وأيضاً تأتي هذه المبادرة في ظل التحركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فهناك حالة فراغ تتشكل في منطقة الشرق الأوسط وإذا لم تملأ الدول التي لها طموحات في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فمتى ستمتلئ؟

أما بالنسبة للفرص، فقد دعت الصين لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والذي بدوره يحتوي على مجموعة من الفرص والتحديات. فهو بالمرتبة الأولى فرصة للصين، فدخول دولة بحجم الصين في دور الوساطات بمنطقة صراعات مثل الشرق الأوسط يُعطي دولة الصين زخماً سياسياً كبيراً ويزيد من وزن هذه الدولة في المستوى الدبلوماسي الدولي. ويأتي بعدها تراجعاً واضحاً في السياسة الأمريكية وفشلها في إيجاد حلول لأزمات منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها القضية الفلسطينية. وأيضاً فرصة للصين لأن هناك فشل أمريكي متكرر في ممارسة ضغط على الجانب الإسرائيلي وأن تظهر الصين بموقف “القائد الأخلاقي الدولي”. فإذا دخلت الصين إلى خط القضية الفلسطينية وانتقدت الممارسات الإسرائيلية ودعت أكثر من مرة في مجلس الأمن إلى وقف ارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، فهذه فرصة مهمة للصين. وهو أيضاً فرصة للفلسطينيين لأن إدارة ملف الوساطة الدائمة تاريخياً يتم من قبل دولة تدعم القضية الفلسطينية.

وذكر د. علي أبو رزق مجموعة من التحديات تواجهها الصين لاستضافة محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالتحدي الأكبر هو حالة الرفض الإسرائيلي لأي وساطة لا تكون فيها الولايات المتحدة اليد العليا في إدارة الملف. ثانياً، أن دعوة الصين لاستضافة المحادثات تأتي على مقترح حل الدولتين وهذا الحل أُفشل إسرائيلياً وزالت كل أسباب نجاحه بعد فرض الكثير من الوقائع على هذه الأرض. ثالثاً، أن الصين بمثل هذه الطموحات والعلاقات الفلسطينية الصينية إلى هذه المرحلة لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الدراماتيكية في الجانب الفلسطيني وصعود حركات المقاومة وتصدرها للمشهد الفلسطيني منذ عام 2006، بالإضافة للتحولات الداخلية التي أحدثتها حرب غزة 2021 وظهور المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس والتي صعَّدت بشكل كبير من أسهم حركة حماس في الشارع الفلسطيني. مع الأسف، الطموحات الصينية حتى هذه اللحظة تتجاهل التغيرات الدراماتيكية وصعود قوى المقاومة بشكل كبير في الشارع الفلسطيني. النقطة الرابعة أن هناك غياب لعنصر الضغط والتأثير الصيني على الجانب الإسرائيلي وهذا يتمثل في انعدام الحاجة الإسرائيلية في دعم المال الصيني؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي مكتفي مادياً ومكتفي من الصناعات الأمريكية عالية الجودة والمساعدات المالية المقدمة من الولايات المتحدة. والأهم من ذلك أن هناك حاجة صينية للمنتجات الإسرائيلية التقنية بسبب التفوق التقني التكنولوجي عند الاحتلال الإسرائيلي وخصوصاً تقنيات التجسس التي تُصدرها إسرائيل لمعظم دول العالم. أما التحدي الخامس فهو غياب الخبرات الصينية في هذا الإطار. فبعد رفض “إسرائيل” حضور اجتماع الصين لمفاوضات السلام، قامت الصين بدعوة أصدقاء السلام لحضور الاجتماع. فأصدقاء السلام هم غير مؤثرين ولا يُمثلون شيئاً في الشارع الفلسطيني.

واختتم د. علي قوله بأنه: “بات من الواضح أن هناك توجهاً صينياً رسمياً للانخراط بشكل أكبر بقضايا الشرق الأوسط وفي القلب منها القضية الفلسطينية.”

منتدى آسيا والشرق الأوسط يختتم وقائع الجلسة الثانية “جلسة فلسطين” للمؤتمر الدولي الأول “الصين والقضية الفلسطينية” بالتعاون مع مجلس العلاقات الدولية- فلسطين

اختتم منتدى آسيا والشرق الأوسط وقائع الجلسة الثانية “جلسة فلسطين” للمؤتمر الدولي الأول تحت عنوان “الصين والقضية الفلسطينية في ضوء استراتيجيتها في الشرق الأوسط”، يوم السبت الموافق 6نوفمبر في مدينة غزة، وهذه الجلسة هي استكمالاً لجلسات المؤتمر في إسطنبول، والذي عُقد بحضور ومشاركة شخصيات دولية وفلسطينية موازنة على المستوى السياسي والأكاديمي، وذلك بالتعاون بين منتدى آسيا والشرق الأوسط في إسطنبول، والذي تأسس في عام 2016، والجهة الشريكة مجلس العلاقات الدولية في فلسطين والذي تأسس عام 2013.

وجاء هذا المؤتمر إحياءً للدور التاريخي للصين في دعم القضية الفلسطينية، وتقوية روابط العلاقات وفق الدلالات التاريخية من أجل الوصول إلى شراكةٍ فاعلة تخدم كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وتقوية جسور الشراكة والتعاون من أجل خلق مستقبل مشرق للعلاقات الصينية- الشرق أوسطية. والتركيز على فلسطين كقضية إنسانية وكحق عادل يتعلق بها مستقبل استقرار المنطقة بأكملها. ويأتي هذا المؤتمر للتأكيد على دور القوى الكبرى كالصين، في خلق توازنات فاعلة على المستوى الدولي؛ للوقوف بجانب الحقوق الفلسطينية والتصدي لواقع الهيمنة الأمريكية وانحيازها التام للمصلحة الإسرائيلية.

افتتح د. باسم نعيم، رئيس مجلس العلاقات الدولية ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس، الكلمة الأولى في الجلسة مؤكداً على أن القضية الفلسطينية هي قضية دولية بامتياز، وأن الذي خلق المشكلة الفلسطينية هو المجتمع الدولي. حيث أنه لم تستطع الحركة الصهيونية تحقيق طموحاتها وتطلعاتها لولا دعم المجتمع الدولي اللامحدود، والذي بدأ قبل أن يحث الانتداب البريطاني لفلسطين في عام 1917. ثم استٌكملت حلقات هذه المؤامرة الدولية على الشعب الفلسطيني في حقوقه بالحرية والاستقلال، فلولا المجتمع الدولي والأمم المتحدة لما كان هناك وجود لهذا الكيان. وحاول المجتمع الدولي أن يٌخفف من وقع تداعيات إنشاء هذا الكيان بأن أصدر قراراً بالاعتراف بالكيان كدولة على أرض فلسطين ولكن ربطه بشرطين: الشرط الأول هو إقامة دولة فلسطين، والشرط الثاني حق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي هُجروا منها.

وأضاف د.نعيم أنه: “على المجتمع الدولي يتبنى حل الدولتين، إلى أنه على مدار 70 عاماً من الصراع ضد هذا الاحتلال فشل المجتمع الدولي في حماية الشرعية التي يتبناها أو القرارات التي أصدرها.” ولذلك فإنه “بدون أن يكون هناك عنصر دولي موازن لهذه الهيمنة الغربية الأمريكية بالذات، والبريطانية من قبلها، على القرار الدولي وعلى الشعب الفلسطيني، سيكون من الصعب على الفلسطينيين إنجاز الحلم الكبير بالحرية والاستقلال.” وأكد على أنه من حق الفلسطينيين أن يبحثوا عن نافذة لإعادة توازن قرارات المجتمع الدولي لصالح الشعب الفلسطيني.

وفيما يخص الصين، أفاد د. باسم نعيم أن هناك الكثير من العناصر الصينية تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الصين لم تكن في يوم من الأيام دولة استعمارية- بمعنى أنها لم تستعمر شعوب أخرى. فالصين في كل المواقع التي عملت فيها سواء في داخل الشرق الأوسط أو في خارج الشرق الأوسط، لم تشن حروب. فالمشروع الاستراتيجي الكبير “مشروع الحزام والطريق” التي تستثمر فيه الصين قائم على فكرة واحد “كيف يمكن أن يتعاون الناس والبشر في تنمية بعضهم البعض.” وهذه فكرة مختلفة تماماً عن قوى سيطرت على الكرة الأرضية لمدة قرن أو أكثر، وكان هدفها الأساسي الوحيد هو كيفية السيطرة على الشعوب ونهب ثرواتهم وإضعافهم وتفكيكهم. ولذلك “يجب عليا أن نضع أيدينا بأيدي دولة الصين العظيمة لتقف أمام هذا الخلل في التوازن وهذه الهيمنة الأمريكية على المنطقة وتعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي وتساعد شعبنا الفلسطيني على الحرية والاستقلال.”

من جانبه، قال د. محمد مكرم البلعاوي رئيس المؤتمر ورئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط، أنه مازالت منطقتنا العربية والإسلامية تعاني من آثار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي الذي “احتل بلادنا وقسمها ونهب خيراتها وحولها إلى بُكرة معاناة وفقر ودهم ومرض وتخلف حضاري.” ولقد شهدنا قبل أشهرٍ قليلة اندحار الاحتلال الأمريكي عن أفغانستان، ونرجو أن يكون ذلك علامة على قرب تحرر الشعب الفلسطيني وحصوله على حقوقه كاملة.

وأضاف د. البلعاوي: “لقد مثلت الصين مصدر إلهامٍ للعديد من الشعوب حول العالم. فبعد أن كانت الصين تعاني من احتلال أجنبي وتسلط المستعمر الغربي، استطاعت أن تنال حريتها وأن تبني دولة عصريةً متطورة. وأن تُخرج نصف مليار إنسانٍ من تحت خط الفقر. وكانت سبباً أساسياً لنهضة منطقتها، وهي اليوم الشريك الاقتصادي الأول لغالبية دول آسيا؛ بل لغالبية دول العالم بأسره. وفي نفس الوقت، لم تفرض هيمنتها على الآخرين. ولم تتسلط عليهم بالقوات العسكرية؛ بل كانت سياستها تعتمد على مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام الخصوصيات الوطنية واعتماد مبدأ الحوارات لحل النزاعات، مما أكسبها ثقة شركائها.”

وأكد د. محمد البلعاوي أن هناك روبط ثقافية واستراتيجية وجغرافية وتاريخية لا تحصى تجمع الصين وفلسطين، ولقد ارتبط مصير الشعب الفلسطيني ارتباطاً وجودياً على مدى التاريخ. وطالما دعمت الصين الشعب الفلسطيني، بات ارتباطهم من الضروريات خصوصاُ وأننا نشهد اليوم محاولةً أمريكيةً غربيةً لشيطنة النهضة الصينية، ومحاولاتٍ مستمرةٍ لعرقلة وجودها المستحق. و “لا يمكن للعالم أن يستقر دون استقرار قارة آسيا وخصوصاُ منطقة غرب آسيا وفي القلب منها فلسطين، وأي تجاهل لهذه الحقيقة سيؤدي إلى كثيرٍ من المعاناة وإضاعة الثروات وإزهاق الأرواح. ولا يمكن لأي مشاريع اقتصادية أو تنموية أن تنجح طالما استمر العدوان على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية.”

ورحب د. البلعاوي بالاهتمام الصيني المتزايد بالقضية الفلسطينية الذي من الممكن أن يكون بوابةً لحرية الشعب الفلسطيني وحصوله على حريته كاملةً غير منقوصة بعيداُ عن الانحياز الأمريكي الأعمى إلى الإسرائيلي وشرعنة عدوانه.

رئيس قسم اللغة العربية ومدير المركز الثقافي بجامعة صون يات سان، Dr. Seid Ma Yanzh وقال
في كلمته بعنوان “الصين والقضية الفلسطينية: أخلاقية الدوافع وإنسانية الأهداف” أنه لطالما كانت الصين وعبر تاريخها الطويل دولةً محبةً للسلام والتعايش والتعاون بين الأمم، ويشهد على ذلك تاريخها العريق الخالي من أي سلوكٍ استعماريٍ لهذا البلد. ولأن السلوك السياسي هو انعكاس من فكر سياسي معين، فقد كانت السياسة الخارجية للصين سياسةً عادلةً ومبدئية تنطلق من أسسٍ وثوابتٍ معينة لم تتغير عبر العصور. وانطلاقاً من هذه القاعدة، فقد وقفت الصين منذ البداية مع القضية الفلسطينية ودعمت الشعب الفلسطيني المظلوم والذي تعرض لكل أشكال القهر والتهجير والسلب لحقوقه؛ لأنها أدركت أن القضية الفلسطينية لم تكن في يومٍ من الأيام صراعاً دينياً بقدر ما كانت قضية حقوقٍ لشعبٍ طُرد من وطنه على يدِ قوةٍ من نظامٍ دولي جائر. وبهذا “تسعى الصين بكل ما أوتيت من قوة على عمل وترجيع كفة العدل والإنصاف، بدلاً من الظلم والقهر وغطرسة القوة.”

وانطلاقاُ من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تسعى بكين بأن يكون لها دوراً في منطقة الشرق الأوسط قائماً على التعاون وتبادل المصالح وتشجيع الأطراف على إيجاد حلٍ للقضية الفلسطينية ترضى به شعوب المنطقة ويحقق الأمن والسلام. وأضاف د. سعيد أن “التوجه الصيني نحو منطقة الشرق الأوسط نابع من المصالح الصينية مع دول المنطقة، وليس نابعاً فقط من الرغبة في تعطيل الدور الأمريكي وتحجيمه في هذه المنطقة.”

وبدوره، قال د. غسان محمود وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية ومؤرخ فلسطيني، “إن الصين تؤمن بأن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة ويجب دعم هذه القضية؛ بل من المبادئ التي قامت عليها الصين الشعبية هو نصرة الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال.” وكانت الصن داعمة للقضية الفلسطينية وقضايا الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال.

وفي نهاية الجلسة الأولى في “جلسة فلسطين” للمؤتمر، دعا د. غسان وشاح الصين بمضاعفة جهدها بدورها في التأثير بالقضية الفلسطينية، قائلاً: “مؤخراً، المُلاحظ أن الصين دورها في التأثير في القضية الفلسطينية لا يتناسب الآن مع قوة الصين. فالصين هي دولة صاحبة عضو دائم في مجلس الأمن ولها حق الفيتو، ولهذا فإن الصين تحتاج إلى مضاعفة هذا الدور أكثر تأثيراً.” وأكد على أنه لكي تصبح الصين القوة الأكبر في العالم في جميع المجالات، يجب أن يظهر لها بصمات دائمة في حل القضايا العادلة كما كانت سابقاً.

Will America defend Taiwan if China launches a war on it?

US President Joe Biden confirmed that the United States would defend Taiwan militarily if China launched an attack on it, at a time when China urged the United States to avoid sending the wrong signals to supporters of Taiwan independence.

During an election interview organized by CNN, Biden said in response to a question whether the United States was ready to militarily defend Taiwan if the island was attacked by China, “Yes. We have an obligation to do so.”

“They say Biden wants to fight a new cold war with China. No, I don’t want that… I just want China to understand that we won’t back down and we won’t change any of our views.”

Biden also responded in the affirmative to a question whether the United States would be able to respond to the development of military programs in China, stressing that China, Russia and the rest of the world know that we have the most powerful military capacity in the world.

Following Joe Biden’s remarks, the White House assured reporters that US policy toward Taiwan had not changed. But he expressed his concern about the possibility that countries competing with the United States might engage in activities in which they might make a grave mistake.

In turn, Taiwanese presidential spokesman Xavier Chang welcomed Biden’s comments, saying that America has shown “unwavering” support for Taiwan since Biden took office last January.

The US president’s statement contrasts with the long-standing US policy of “strategic ambiguity”, under which Washington helps Taiwan build and strengthen its defenses without explicitly pledging to provide its assistance in the event of an attack.

During an interview this summer on ABC, Biden made a similar promise, speaking of a “sacred commitment” to defend NATO allies in Canada and Europe, as well as Japan, South Korea and Taiwan.

The Biden administration faces mounting calls for a clarification of the US commitment to Taiwan’s defense, while Chinese President Xi Jinping steps up diplomatic and military pressure against Taiwan.

Although the United States and China, the two nuclear powers and the world’s primary economic powers, are fighting a cold war in a number of contentious issues between them, their dispute over Taiwan is the only issue that is likely to provoke an armed confrontation between them.

Last March, the commander of US forces in the Indo-Pacific region, Admiral Philip Davidson, warned that China could invade Taiwan within 6 years to achieve its stated goal of replacing the United States as the largest military power in the region.

Taiwan, with a population of about 23 million, has been run for 75 years by a regime that sought refuge on the island after the Communists took control of mainland China during the Chinese Civil War.

The United States severed diplomatic relations with Taipei in 1979 to recognize Beijing as the official and sole representative of China, but Washington remains Taiwan’s most powerful ally and first supplier of arms. In fact, the US administration is obligated by Congress to sell the island weapons to enable it to defend itself.

Beijing considers Taiwan an inalienable part of Chinese territory, stressing that it will recover the island sooner or later, and by force if necessary.

(Source: Asia Middle East Forum + agencies)

هل ستدافع أميركا عن تايوان إذا شنت الصين الحرب عليها؟

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستدافع عسكريا عن تايوان إذا شنت الصين هجوما عليها، في وقت حثت فيه الصين الولايات المتحدة على تجنب إرسال إشارات خاطئة للمؤيدين لاستقلال تايوان.

وخلال لقاء انتخابي نظمته شبكة “سي إن إن” (CNN) التلفزيونية، قال بايدن ردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عسكريا عن تايوان إذا تعرضت الجزيرة لهجوم صيني، “أجل. لدينا التزام بهذا الشأن”.

وتابع “يقولون إن بايدن يرغب في خوض حرب باردة جديدة مع الصين. كلا، لا أريد هذا الأمر.. كل ما أريده هو أن تفهم الصين أننا لن نتراجع ولن نغير أيا من وجهات نظرنا”.

ورد بايدن بالإيجاب أيضا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على الرد على تطوير برامج عسكرية في الصين، مؤكدا أن الصين وروسيا وبقية العالم تعلم أن لدينا أقوى قدرة عسكرية في العالم.

وعقب تصريحات جو بايدن، أكد البيت الأبيض للصحافيين أن السياسة الأميركية تجاه تايوان لم تتغير. لكنه أعرب عن قلقه من احتمال انخراط دول منافسة للولايات المتحدة في نشاطات قد ترتكب فيها خطأ فادحا.

بدوره رحب المتحدث الرئاسي التايواني كزافييه تشانج بتصريحات بايدن، قائلا إن أميركا أظهرت دعما “راسخا” لتايوان منذ أن تولى بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي.

ويتناقض تصريح الرئيس الأميركي مع السياسة الأميركية القائمة منذ مدة طويلة فيما يعرف بـ”الغموض الإستراتيجي”، التي تساعد واشنطن بموجبها تايوان في بناء دفاعاتها وتعزيزها دون التعهد صراحة بتقديم مساعدتها في حال حدوث هجوم.

وخلال مقابلة هذا الصيف على محطة “إيه بي سي” (ABC)، قدم بايدن وعدا مماثلا، متحدثا عن “التزام مقدس” بالدفاع عن حلفاء حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) في كندا وأوروبا، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

وتواجه إدارة بايدن دعوات متزايدة لتوضيح الالتزام الأميركي للدفاع عن تايوان، في حين يصعد الرئيس الصيني شي جين بينغ الضغوط الدبلوماسية والعسكرية ضد تايوان.

ورغم أن الولايات المتحدة والصين، الدولتين النوويتين والقوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم، تخوضان حربا باردة في عدد من الملفات الخلافية بينهما، فإن خلافهما بشأن تايوان يعتبر القضية الوحيدة التي يُحتمل أن تثير مواجهة مسلحة بينهما.

وفي مارس/آذار الماضي حذر قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي الأدميرال فيليب ديفيدسون من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون 6 سنوات لتحقيق هدفها المعلن بالحلول محل الولايات المتحدة كأكبر قوة عسكرية في المنطقة.

وتايوان البالغ عدد سكانها حوالي 23 مليون نسمة، يديرها منذ 75 عاما نظام لجأ إلى الجزيرة بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القارية إبان الحرب الأهلية الصينية.

وقطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه في 1979 للاعتراف ببكين ممثلا رسميا ووحيدا للصين، لكن واشنطن لا تزال أقوى حليف لتايوان ومزودها الأول بالأسلحة، بل إن الإدارة الأميركية ملزمة من قبل الكونغرس ببيع الجزيرة أسلحة لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

وتعتبر بكين تايوان جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، مؤكدة أنها ستستعيد الجزيرة عاجلاً أم آجلا، وبالقوة إذا لزم الأمر.

(المصدر : منتدى آسيا والشرق الأوسط + وكالات)