حادث المنطاد الصيني في سماء الولايات المتحدة الأمريكية
السِّجال السياسي بين واشنطن وبكين كان وما زال مستمرًّا حتى بعد إسقاط المنطادِ الصيني، ولا يتوقع أي طرفٍ أن ينتهيَ قريبًا، وبعد تلك الحادثة، انسالت العديدُ من الأسئلة حول ما يُمكن إيجاده داخل المنطاد، وهل فعلًا هو منطاد تجسسٍ كما تزعم الولايات المتحدة، أم أنَّه منطادٌ مدنيٌّ لبحث الأرصاد الجويةِ كما تدَّعي الصين.
أسقطت الولاياتُ المتَّحدة الأمريكية، في الرابع من فبراير، المنطادَ الصيني قبالة سواحل كارولينا الجنوبية، بعد سبعة أيامٍ من دخول المنطاد المجال الجوي الأمريكي لأول مرة، فيما ستبدأ عملية استعادة الحُطام، وتتابع البارجةُ (USS CARTER HALL) مكانَ سقوط حطام المنطادِ الصيني في المحيط الأطلسي، وقد أفاد وزيرُ الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) أن طائرةً مقاتلةً من نوع (F-22) هي من أسقطت المنطاد الصيني في المياه الإقليميةِ الأمريكيَّة.
وفي وقتٍ سابق، أعلنت إدارةُ الطيران الفيدراليَّة أنَّها أغلقت المجالَ الجوي في أجزاءٍ من ولاية كارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية؛ لـ”دعم وزارة الدفاع في جهد يتعلق بالأمن القومي” حسب قولها. وتجدر الإشارة أنَّها ليست المرة الأولى التي تكتشف فيها الولايات المتحدة مناطيدَ صينيةً فوق الأراضي الأمريكيَّة، إلا أنَّها المرة الأولى التي تأخذ القضية هذه المسارات التي تخلَّلتها أحداثٌ واجتماعاتٌ لكبار المسؤولين الأمريكيين، كما حملت الحادثة دلالاتٍ سياسيَّة ودبلوماسيَّة كبيرة في واشنطن وبكين.
وكشفت شبكة “CNN” في تقريرٍ مطوَّل لها تفاصيلَ المناقشات التي جرت بين الرئيس (جو بايدن) وكبار مسؤولي إدارته، منذ اكتشاف المنطاد في 28/ يناير أول مرة، قبل أن تتطورَ الأمور ويتم إسقاطه يوم السبت 4/ فبراير.
وفي التفاصيل، أكَّد التقرير أنَّ المنطاد حلَّق دون أن يلاحظه أي شخصٍ باتجاه الشَّرق فوق ولاية ألاسكا شرقًا، وأنَّه كان يحلق بالفعل داخل وخارج المجالِ الجوي الأمريكي لمدةِ ثلاثة أيام، وقد تمَّ اكتشافه لأول مرةٍ من قِبَل قيادة الدفاع الجوي في أمريكا الشمالية في 28/ يناير وهو يتَّجه نحو كندا، واصلت حينها القيادةُ الجويَّة تتبُّع مساره، لكن دون اكتراثٍ كبير، حيث “لم يُشكِّل في ذلك الوقت خطرًا استخباراتيًّا أو تهديدًا جسديًّا” وفق المسؤولين.
لكن مع استمرار المنطادِ في التحرُّك فوق ألاسكا متجهًا إلى كندا، ثمَّ عودته نحو الولاياتِ المتحدة، ساور الشَّك كبارَ المسؤولين، لأنَّه كان يسير بوضوحٍ نحو الداخل، وكان الموقع مثيرًا للقلق لأنه كان يحلق فوق قاعدةٍ جويةٍ تحتفظ بواحدةٍ من أكبر مخازن الصَّواريخ الباليستية الأمريكيَّة العابرةِ للقارات، آنذاك أبلغ رئيسُ هيئة الأركان المشتركة الجنرال (مارك ميلي) الرئيسَ الأمريكي (جو بايدن)، يوم الثلاثاء 31/ يناير، بتحليقه فوق ولايةِ مونتانا.
وعن ردودِ الفعل الأمريكية، ذكر التقريرُ أنَّ بايدن كان يميل إلى إسقاطِ المنطاد فوق الأرض عندما تمَّ إبلاغه به لأول مرة، لكنَّ مسؤولي وزارة الدفاع (البنتاغون) بالإضافةِ للجنرال ميلي نصحوه بعدم القيام بذلك، محذرين من أنَّ “هناك خطرًا كبيرًا محتملًا على الأرواح والممتلكات على الأرض، يفوق تقييمَ المكاسب الاستخباراتيَّة الصينية المُحتملة”.
وعلى إثر ذلك، طلب بايدن من ميلي والمسؤولين العسكريين الآخرين وضع خيارات تحطيمه، وفي الوقت ذاته منع المنطادِ من جمع أيِّ معلوماتٍ استخباراتية، وذلك من خلال تقليص أي نشاطٍ عسكريٍّ حساس، أو إجراء اتصالاتٍ غير مشفَّرة في المناطقِ المجاورة، وبالفعل، في مساء ذات اليوم -الثلاثاء-، اجتمع قادةُ البنتاغون لمناقشة الخيارات، وشارك فيها افتراضيًّا أوستن الذي كان خارجَ البلاد، وشاركت أيضًا وكالة “ناسا” لتحليل وتقييم مجال تحطيمِ المنطاد، وكان الرأيُ السَّائد داخل الإدارة هو أنَّه يجب أن يُسقط، على الأرجح بعد أن يتحركَ فوق المياه المفتوحة.
وعندما عُرضت الخيارات على بايدن، الأربعاء، وجَّه قيادته العسكرية بإسقاط المنطاد بمجرَّد اعتبار ذلك خيارًا قابلًا للتطبيق، مع استعادةِ مكوناته، مما يسمح بإمكانيَّة إلقاء نظرةٍ ثاقبةٍ على قدراته، وفي ذلك الوقت كان المسؤولون الأمريكيون يتحدثون إلى نظرائهم الصينيين، وأبلغوهم باحتمال إسقاطه، وكان بايدن نفسه يتلقى بانتظامٍ أنباءَ تطورات الأحداث.
وتمَّ تقديم خطةٍ أخرى إلى بايدن لإسقاطه، ليلة الجمعة، أثناء وجوده في (ويلمنغتون) في شمال كارولينا، وافق على تنفيذها يوم السَّبت، وأعطى أوستن موافقتَه النهائية عليها بعد وقتٍ قصيرٍ من ظهر يوم السبت 4/فبراير. وشملت الخُطة فرضَ منطقة حظرٍ جويٍّ تضمنت حوالي 150 ميلًا من ساحل المحيط الأطلسي، وذلك في ثلاثة مطاراتٍ تجارية: ويلمنغتون في شمال كارولينا، وميرتل بيتش، وتشارلستون في جنوب كارولينا، وكذلك إسقاطه عن طريق مقاتلةٍ حربية من نوع (F-22).
وصرح مسؤولٌ لشبكة (CNN) إنَّه تم جمع معلوماتٍ استخباراتيةٍ من المنطاد أثناء تتبُّع مساره عبر الولاياتِ المتحدة، وقال مسؤولٌ دفاعيٌّ كبير إنَّ انتظار تنفيذ العملية سمح للولاياتِ المتحدة بالحصول على معلوماتٍ بشأن قدراته، مضيفًا “إنه إذا نجحنا في استعادةِ جوانب الحطام، فسوف نتعلم المزيد”.
من جانبها اتهمت الصينُ الولايات المتَّحدة بـ”المبالغة في رد فعلها” الذي تمثَّل باستخدام القوة، مصرةً على أنَّ المنطاد مدنيٌّ لأغراض البحث العلمي والأرصادِ الجوية، وأوضحت بكين أنَّ الحكومةَ الصينية تتابع من كثب تطورَ الوضع، مؤكدةً على كونها “تحتفظ بالحق في اتِّخاذ الإجراءاتِ اللازمة”.
إعداد:
وحدة الأبحاث والدراسات
منتدى آسيا والشرق الأوسط