تقارير

منظَمة شنغهاي للتعاون “وأَمن القارة الآسيوية”

د. وســـام المحـلاوي - مُحاضِر بقسم الاتصال جامعة العلوم الإسلامية الماليزية

يَزدحِم العالم في الفترة الحالية بالكثير من الصِّراعات والنِّزاعات، وفي المُقابِل تَتَشكَّلُ أَحْلاف جديدة في مُحاوَلة الحفاظ على الذَّات، ومُجابَهة التَّحديات الإقليميَّة والدولية، ولا يَخفَى على أَحَد الطموحات الصينيّة الكبيرةِ في التوسُّع على الصعيد التِّجاريّ وما يُصاحِب ذلك مِن إجراءات ومُتَطلَّبات امتلاك عناصر القوة، والتي تعتبر الشراكات والأحلاف مع الآخرين أحد عواملِها لحماية مصالحها وتوسيع نُفوذِها المستقبليّ.

في المُقابِل نَجِد أنَّ هناك العديد من الدول التي تريد الانضمام إلى مِثْل هذه التحالفات لتحقيق بعض المصالح والمكتَسَبات، ولِضمان أمْنِها الإقليميّ من خِلال تفاهُماتٍ واتفاقاتٍ تَحفَظ لها وجودَها وحقوقَها، وتساعدُها في ذات الوقت على النُّموِّ والازدِهار، وتوفير المُتَطلبات الأساسية لمواطِنيها وأكثرَ من ذلك إلى تحقيق الرَّخاءِ الاقتصادي.

ولو أردنا أن نُسَلِّطَ الضوءَ على قارة آسيا على سبيل المثال، فَسَنَجِد أنَّ القارَّة تَضُم العديد من التناقضات، فهناك الدول المُستقرَّة والتي تَشْهَدُ تَقدُّمًا اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا كبيرًا، وهناك عَدَد من الدول التي عانت في الفترة الأخيرة من الكثير من المُشْكِلات الأمنيَّة والسياسيَّة والهَزاَّت الاقتصاديَّة، الأمر الذي فَتَح المجال بِشكلٍ أَوسَع أمام الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة لِلتَّدَخُّل في المنطقة، وخاصةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبداية ما يُسمَّى بالحرب على الإرهاب والغَزْوَ الأمريكي الذي تبع هذا الإعلان على أفغانستان، الأمر الذي استدعى المَخاوِف الرُّوسية بِدرجةٍ كبيرة، مَتبوعة بِتَخوُّفاتٍ صينيَّة مما يَحدُث في المنطقة، وحَجْم الضَّرَر الذي من المُمكِن أن يَتَرتَّب على ذلك، أَضِف إلى ما سبق النِّزاعات الحدودية المُتأصِّلة بين بعض الدول، والنِّزاعات العِرقِيَّة في حدود الدولة الواحدة وتَصاعُد مَوجات الكراهية تجاه أقليَّاتٍ مُعَيَّنة، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك كالخلاف القَائِم بين كل من: الهند وباكستان، كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، إيران وبعض الدول العربية، وأخيرًا الحرب الدَّائِرة رَحَاها الآن بين أذربيجان وأرمينيا، أَضِف إلى ذلك الدَّعوات القائِمة على المُطالَبَة بالانفصال في عَدَدٍ من دول آسيا لِأسبابٍ تَتَعَلَّقُ بالتَّهْمِيش العِرْقِيّ، أو لِأسبابٍ اقتصادية ومثال ذلك ما يَحدُث في إقليم «أَراكان» من حرب إبادةٍ وتهجيرٍ قَسْريّ لِعِرْقِيَّة «الرُّوهِنجيا» المُسلِمين الذين يعيشون في الإقليم.

هذه العوامل وغيرها عَزَّزَت التَّقارُب بينَ عَدَدٍ من الدول الكُبرى في آسيا لِتشكيل مجموعة «شَنغهاي الخُماسية» في 26 أبريل 1996، حيثُ وَقَّع رُؤساءُ خمسةِ دُوَل وَهِيَ: الصِّين، وكازخِسْتان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان على مُعاهَدةٍ لِتعميق الثِّقة العسكريَّة في المناطِق الحدودية، تَبِعَها توقيعُ مُعاهَدَةٍ أُخرى بينَ نَفْس الدُّول لِلحَدِّ مِن القُوَّات العسكريَّة في المناطق الحدودية في اجتماعٍ عُقِد في موسكو عام 1997،  وفي 15 يونيو 2001 عُقِدَ اجتماع المجموعة في شنغهاي مَرَّةً أُخرى بحضور أوزبكستان هذه المرة لِيَتِمَّ الإعلان عن تأسيس منظمة «شنغهاي للتعاون «SCO بِشكلِها الحاليّ في نفس التاريخ، لِتَضُم في عُضويتِها التأسيسيَّة سِتّ دول هي: الصِّين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وتَوسَّعت لاحقًا في عام 2017، حيث انضمت إليها كل مِن الهند وباكستان، الأمر الذي شَكَّل زَخَمًا  جدِّيًا لهذه المُنظَّمة، كما أنَّ هناك عدد من الدول حصلت على صِفة مُراقِب في المنظمة وهي أفغانستان، بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، إيران، منغوليا، علمًا بأن بعضًا منها قد طَلَب الحصول على عُضوِيّة  كاملةٍ في المنظمة كإيران والتي حَظِيَت بالدَّعم الروسي في سَبيل تحقيق ذلك، هذا بالإضافة إلى مجموعةٍ أخرى من الدول التي حَظِيت بصِفة شِريك حِوار وهي: أرمينيا، أذربيجان، كمبوديا، نيبال، سريلانكا، تركيا.

حَظِيَت هذه المنظمة مُنذ نشأتِها باهتمامٍ كبيرٍ من الدول الكبرى، رُبَّما لعواملَ تتعلقُ بالمنافسةِ على النُّفوذِ العالميّ، فقد تَقَدَّمَت الولايات المتحدة الأمريكية بِطلبٍ للحصول على عضوية المنظمة في عام 2005، إلّا أنَّ طلبها قُوبِلَ بالرفض، كما وتَقدَّمت دولٌ أخرى بِطلباتٍ للحصول على صِفة مُراقِبٍ في المُنظَّمة كأرمينيا، وأذربيجان، وبنغلاديش، وروسيا البيضاء، ونيبال، وسريلانكا، ومصر، وسوريا، في حِين تَقدَّمت كل من «إسرائيل»، وجزر المالديف، وأوكرانيا بِطلَبٍ لِلحُصول على صِفَة شَريك حِوار، كَمَا وأَشَار العِراق، وفيتنام إلى رَغْبَتِهما في أنْ يُصبِحا شُركاءَ حوارٍ للمنظمة، هذا التَّهافُت الكبير على «منظمة شنغهاي للتعاون»،  يُعطِي انطباعًا بالأهميَّة الاستراتيجية لهذه المنظمة ليس في آسيا فَحَسْب بَلْ على المستوى العالمي.

بالنَّظرِ إلى الأهداف المُعلَنة التي أُنشِئَت مِن أجلِها المنظمة، والتي رَكَّزت على تعزيز الثِّقة المُتبادَلة بين الدول الأعضاء ومُحارَبةِ الإرهاب والتَّصَدِّي للجرائمِ الدوليَّة وتجارة المُخدِّرات، بالإِضافةِ إلى مُجابَهة النَّزْعاتِ الانفِصاليَّة في المنطقة، وتحقيق تعاونٍ استراتيجيٍ بَنَّاء بين الدول الأعضاء في المجالات المختلفة كالسِّياسة، والاقتصاد، والتقنيَّة وغيرها، بِما يَضمَن استقرار المنطقةِ وشعوبها.

إلّا أنّ هناك أهدافًا خَفِيةً رُبَّما تكون حَرَّكت كُلًا مِن روسيا والصِّين لإنشاء مِثْل هذا التَّحالُف، ويأتي في مُقدِّمتِها مُواجهة النُّفوذ الأمريكيّ المُتزايِد في المنطقة، وخاصةً خلال فترة الحرب الأفغانية وما تَبِعَها من إنشاء قواعدَ عسكريةٍ أمريكيةٍ في كُلٍ من قيرغيزستان وأوزبكستان الأمر الذي أثار حَفِيظة الروس بِدَرجةٍ كبيرة، أَضِف إلى ذلك ما تخشاه الصين من النُّفوذ الأمريكي الذي من الممكن أن يُهدِّدَ مَصالحَها التجارية، ومِن المُؤكَّد أنَّه تَمَّ تعزيز هذا التَّوجُّه بعدَ التصريحاتِ الأخيرةِ التي أَدْلى بها وزير الخارجية الروسي والتي اعتَبَر فيها أنّ منظمة شنغهاي للتعاون تُمَثِّل بديلًا عن الذين يريدون بَسْط هَيمَنَتِهم في إدارة شُؤون العالم، ويَقصِد بهذا الحديث العالم الغربي.

المآلات العسكريَّة لِمُنظَّمة شنغهاي للتعاون

وِفْقَ المُعلَن من قِبَل مُؤَسِّسي المنظمة أنها ليست حِلفًا عسكريًّا على الإطلاق، ولكن أثناء وجودها تمّ تنظيم مُناوراتٍ عسكريَّةٍ لِمُكافَحة الإرهاب بين الدول الأعضاء، الأمر الذي سَلَّط الضوء بدرجةٍ أكبر على ما يمكن أنْ تُمَثِّلَه هذه المنظمة مُستقبلًا في هذا الإطار، وذَهَبَ البعضُ إلى اعتبار أنَّ هذه المنظمة من المُمكِن أن تكون كيانًا يُوازي في مَهامِه حِلف شمال الأطْلَسيّ «النَّاتو» الذي تَأسَّس في عام 1949، إلّا أنَّه وبِالنَّظَرِ الدَّقيق إلى الفلسفة التي قام عليها الحِلفَين نَجِدُ أنَّ هناك فُروقًا جَوهريةً في الميثاقِ والتوجُّهات، حيث أنَّ حِلف النَّاتو هو حِلف عسكريّ بالأساس يقومُ على أساس الدفاع الجماعيّ المُتبادَل ردًا على أيّ هجومٍ تَتَعرضُ له أيّ دولة عُضو في الاتحاد، في المقابل منظمة شنغهاي لا تتضمن في أي من بُنودِها صِيَغَ دِفاعٍ مُشتركَة، وإنَّما تعاون في مُكافَحةِ بعض القضايا كالإرهاب، والجريمة، والمخدرات وغيرها.

وِحدَة الأعضاء وحَجْم الخِلافات

رُبما يكون التَّحدي الأَبرز الذي يواجهُ منظمةَ شنغهاي للتَّعاون بعد التهديدِ الذي تُمَثله الولايات المتحدة الأمريكية، مُتَمَثِّلًا في وِحدةِ أعضائِها ودرجةِ الاتفاق الحاصِلة بينهم، وخاصةً بعدَ انضمام كُلٍ من الهند وباكستان إليها، حيث يعلم الجميع حجم الخلاف والتَّوتر بين الجارتَين النّوَويتَين، ويُعتبَر الاجتماع الأخير للمنظمة والذي عُقِدَ عبرَ الإنترنت في شهر سبتمبر 2020 خير شاهدٍ على هذا الأمر، حيث انسحبت منه الهند لأن باكستان عرضت خريطةً تضعُ فيها مناطق مُتنازَع عليها ضِمن الحدود الباكستانية، الأمر الذي يُظهِر بما لا يَدَعُ مجالًا لِلشَّك حجم الخلافات العَلَنيّة بين عَددٍ من أعضاء المنظمة، أَضِف إلى ذلك الخلاف الحدودي بين الهند والصين على منطقة «الهيمالايا» والذي تطور إلى نِزاعٍ محدود، أسفر عن وقوع ضحايا بين الجانبين وسُرعانَ ما تم استدراك الحادِثة، وعلى الرغم من كلِّ ذلك ربما تشكل منظمة شنغهاي للتعاون أداةً جديدةً للحدِّ من مثل هذه النِّزاعات، والمساهَمة في إيجاد حلول لها أو على الأقل إبقائها تحت الرماد لأطول فترةٍ ممكنة.

أخيرًا، وبالنظر المُعَمَّق ِإلى ما تُمثلُه هذه المنظمة مِن ثِقَلٍ من حيث حجم الأعضاء المُنضَمِّين إليها، ورغبةِ عددٍ آخرٍ كبيرٍ من الدول بالانضمام إلى المنظمة، وبالأخْذِ في عين الاعتبار المصالحَ التجارية والاقتصادية للدول الأعضاء وخاصةً الصين، والرغبة في إنجاز «مبادرة الطَّريق والحزام»، فإنَّه من المُرَجَّحِ أن تساهمَ هذه المنظمة بدرجةٍ كبيرةٍ في تحقيقِ الاستقرار في قارة آسيا، ومحاولةِ الحَيلولَةِ دون انجِرار الأمور بين الدول الأعضاء والدول التي ترتبط بمصالحَ مختلفة مع الدول الأعضاء إلى مَزالِقَ تهدِّد الأمن والاستقرار في القارة الآسيوية.

إعلام المنتدى

العلاقات العامة والإعلام منتدى آسيا والشرق الأوسط More »

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button