مقالات

المملكة‭ ‬الوسطى‭ ‬والممر‭ ‬الأوسط‭:‬  ‬آفاق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وتركيا

ترجمة: معاذ صيام - ماجستير اللغويات وتحليل الخطاب بجامعة الملايا - ماليزيا

كتبت‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬Gönül Tol‭ ‬لصالح‭ ‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬بتاريخ‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬2020

Gönül Tol‭ ‬استاذة‭ ‬مساعدة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬جورش‭ ‬واشنطن‭ , ‬مدير‭ ‬برنامج‭ ‬تركيا،‭ ‬وكبير‭ ‬زملاء‭ ‬المبادرة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الحدودية‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭, ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬عام‭ ‬1946و‭ ‬مقره‭ ‬واشطن‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الفكرية‭ ‬المخصصه‭ ‬لدراسات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كجزء‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬بكين‭ ‬التوسعية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬وإقامة‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬فنائها‭ ‬الخلفي،‭ ‬تسعى‭ ‬الصين‭ ‬لتوسيع‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وبينما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مشاركة‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬مراحلها‭ ‬الأولى،‭ ‬فقد‭ ‬أثارت‭ ‬مخاوف‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مشاركتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تُخفي‭ ‬أجندة‭ ‬سياسية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬بالمصالح‭ ‬الغربية‭.‬

ويتهم‭ ‬النقاد‭ ‬بكين‭ ‬بـ‭ ‬زدبلوماسية‭ ‬فخ‭ ‬الديونس،‭ ‬حيث‭ ‬تجذب‭ ‬الصين‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬وحتى‭ ‬غير‭ ‬النامية‭ ‬إلى‭ ‬اقتراض‭ ‬الأموال‭ ‬لمشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تحملها‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تنازلات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬عندما‭ ‬تفشل‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬قروضها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬التي‭ ‬أعطت‭ ‬الأولوية‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬حذرةً‭ ‬بشأن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬بكين،‭ ‬لكن‭ ‬تركيا‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬دولة‭ ‬إقليمية‭ ‬رئيسية‭ ‬ودولة‭ ‬مرشحة‭ ‬لعضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬سعت‭ ‬جاهدةً‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬أوثق‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

مثَّل‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للعلاقات‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬والصين،‭ ‬لكن‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬الجانبان‭ ‬لتوسيع‭ ‬العلاقات‭ – ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬علاقات‭ ‬أنقرة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬متوترة‭ ‬بشدة‭ – ‬أثارت‭ ‬الدهشة‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الغربية‭.‬

كما‭ ‬وغذَّت‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬عام‭  ‬2016‭ ‬المخاوف‭ ‬الغربية،‭ ‬حيث‭ ‬رأى‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ينصب‭ ‬تركيز‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬مجرد‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بل‭ ‬ويمكنها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬السعي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ (‬SCO‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬الصين‭ ‬عضوًا‭ ‬فيها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تركيا‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬زآسيا‭ ‬من‭ ‬جديدس،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬علاقات‭ ‬أوثق‭ ‬مع‭ ‬آسيا،‭ ‬لكن‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬تركي‭ ‬نحو‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الغرب‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬مدفوعة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬بمصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬مشتركة،‭ ‬وليست‭ ‬سياسية،‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فإن‭ ‬الشراكة‭ ‬أقل‭ ‬إحكامًا‭ ‬مما‭ ‬توصف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭.‬

من‭ ‬التجارة

‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ (‬‭ ‬BRI‭ ‬‭)‬والممر‭ ‬الأوسط

تعود‭ ‬بداية‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وانطلقت‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬حيث‭ ‬توسعت‭ ‬التجارة‭ ‬الثنائية‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬إلى‭ ‬23‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الصين‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬لتركيا،‭ ‬ولكن‭ ‬تركيا‭ ‬لديها‭ ‬عجز‭ ‬تجاري‭ ‬ضخم‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬ثلث‭ ‬إجمالي‭ ‬عجز‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البالغ‭ ‬55.1‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬مرتاحة‭ ‬تمامًا‭ ‬لهذا‭ ‬الاختلال‭.‬

منذ‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ (‬BRI‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬إحدى‭ ‬المبادرات‭ ‬السياسية‭ ‬المميزة‭ ‬للرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ،‭ ‬تكثفت‭ ‬الجهود‭ ‬لتعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬حيث‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ “‬BRI‭ “‬على‭ ‬أنها‭ ‬زمبادرة‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إنشاء‭ ‬ممرات‭ ‬تجارية‭ ‬جديدة‭ ‬عبر‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأفريقياس،‭ ‬فبفضل‭ ‬موقعها‭ ‬على‭ ‬مفترق‭ ‬الطرق‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وجنوب‭ ‬القوقاز‭ ‬وشرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وأوروبا،‭ ‬تحتل‭ ‬تركيا‭ ‬مكانًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ “‬BRI‭”‬،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن،‭ ‬فقامت‭ ‬بشراء‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬محطة‭ ‬حاويات‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ (‬كومبورت‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬مهتمة‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الموانئ‭ ‬التركية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬وقد‭ ‬اشترى‭ ‬اتحاد‭ ‬صيني‭ ‬جسر‭ ‬البوسفور‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬اسطنبول،‭ ‬وتُجري‭ ‬البنوك‭ ‬الصينية‭ ‬مناقشات‭ ‬لإعادة‭ ‬تمويل‭ ‬قروض‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬لتشغيل‭ ‬مطار‭ ‬إسطنبول‭ ‬الجديد‭.‬

ترى‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ “‬BRI‭ ” ‬مُكملاً‭ ‬لمبادرة‭ ‬زالممر‭ ‬الأوسطس‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬لإطلاق‭ ‬شبكة‭ ‬سكك‭ ‬حديدية‭ ‬وطرق‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬عبر‭ ‬القوقاز‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬الصين،‭ ‬واتفقت‭ ‬الدولتان‭ ‬على‭ ‬دمجها‭ ‬مع‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ (‬BRI‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إحراز‭ ‬تقدم‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الممر‭ ‬الأوسط،‭ ‬لكن‭ ‬الخبراء‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬الفوائد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ((‬BRI‭ ‬وجدوى‭ ‬مبادرة‭ ‬الممر‭ ‬الأوسط،‭ ‬بواقع‭ ‬أن‭ ‬مؤشرات‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ((‬BRI‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غامضةً‭ ‬تمامًا،‭ ‬وبدون‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أو‭ ‬بروتوكولات‭ ‬أو‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬أو‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬واضح،‭ ‬فلقد‭ ‬أصبح‭ ‬مصطلحًا‭ ‬شاملًا‭ ‬للإشارة‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬ماهيتها‭ ‬وما‭ ‬ستعنيه‭ ‬لشُركائها‭.‬

يأمل‭ ‬المتفائلون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬البصمة‭ ‬المالية‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬ستنمو‭ ‬بعد‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭  ‬كورونا،‭ ‬حيث‭ ‬وقَّع‭ ‬صندوق‭ ‬الثروة‭ ‬السيادية‭ ‬التركي‭ ‬اتفاقية‭ ‬بقيمة‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬تأمين‭ ‬ائتمان‭ ‬الصادرات‭ ‬الصينية‭ (‬Sinosure‭)‬،‭ ‬ووفقًا‭ ‬للصفقة‭ ‬ستوفر‭(‬Sinosure‭) ‬التمويل‭ ‬للشركات‭ ‬الصينية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الطاقة‭ ‬والبتروكيماويات‭ ‬والتعدين‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬زستحصل‭ ‬على‭ ‬حصص‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬تكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬الوباءس‭.‬

وفي‭ ‬علامة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقات،‭ ‬قال‭ ‬بيان‭ ‬صدر‭ ‬مؤخراً‭ ‬عن‭ ‬بنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الآسيوي‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وهو‭ ‬بنك‭ ‬تنمية‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬إن‭ ‬تركيا‭ ‬زقدمت‭ ‬طلبًا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬ائتمان‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لاثنين‭ ‬من‭ ‬بنوك‭ ‬التنمية‭ ‬وذلك‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬العمل‭ ‬ونقص‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وقيود‭ ‬السيولة‭ ‬نتيجة‭ ‬الوباءس‭.‬

إمكانية‭ ‬التوسع

عبَّر‭ ‬النقاد‭ ‬عن‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشراكة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬والصين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتوسع‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬أيضًا،‭ ‬فهناك‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬العلاقات‭ ‬التركية‭ ‬المتوترة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ ‬شرائها‭ ‬لنظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الروسي‭ ‬S-400‭ ‬والقرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬اللاحق‭ ‬بطرد‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬الطائرات‭ ‬المقاتلة‭ (‬F-35‭) ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬دفاعية‭ ‬أوثق‭ ‬بين‭ ‬أنقرة‭ ‬وبكين‭.‬

ومن‭ ‬تداعيات‭ ‬ملف‭ ‬S-400‭ ‬و‭ (‬F-35‭) ‬أنهما‭ ‬كانا‭ ‬بمثابة‭ ‬ضربة‭ ‬بالفعل‭ ‬لقدرة‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬النُّظم‭ ‬الفرعية‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭ ‬لمنتجاتها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شركاء‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬قاعدتها‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭.‬

ويشترك‭ ‬البَلدان‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الدفاعي،‭ ‬فقد‭ ‬أنتجت‭ ‬شركة‭ “‬Roketsan‭”‬‭ ‬التركية‭ ‬صاروخ‭ (‬Yildirim‭) ‬المستوحى‭ ‬بموجب‭ ‬ترخيص‭ ‬من‭ ‬صاروخ‭ (‬B-611‭) ‬الصيني،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬منحت‭ ‬تركيا‭ ‬لشركة‭ ‬دفاع‭ ‬صينية‭ ‬عقدًا‭ ‬بقيمة‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نظام‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬وصاروخي‭ ‬بعيد‭ ‬المدى،‭ ‬وقد‭ ‬تخلت‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬عن‭ ‬القرار،‭ ‬لكن‭ ‬الخطوة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬زرعت‭ ‬بذور‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬الناتو‭.‬

كما‭ ‬وتحاول‭ ‬الصين‭ ‬توسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬فهناك‭ ‬تزايد‭ ‬ملحوظ‭ ‬بأعداد‭ ‬السياح،‭ ‬ومعاهد‭ ‬كونفوشيوس،‭ ‬ومعاهد‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭ ‬بالجامعات،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الأعمال،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬لمجلس‭ ‬الدولة‭ ‬الصيني‭ ‬أطلق‭ ‬مبادرة‭ ‬للتبرع‭ ‬بآلاف‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬الثقافة‭ ‬والفلسفة‭ ‬الصينية‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الفكر‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والجامعات‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تركيا،‭ ‬كما‭ ‬وبدأ‭ ‬البَلدان‭ ‬باستضافة‭ ‬فعاليات‭ ‬زعام‭ ‬الصينس‭ ‬و‭ ‬زعام‭ ‬تركياس‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬استقدام‭ ‬مثقفين‭ ‬صينين،‭ ‬وفنون‭ ‬شعبية‭ ‬وموسيقى‭ ‬صينية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المتنامية،‭ ‬فإن‭ ‬تركيا‭ ‬والصين‭ ‬ليستا‭ ‬قريبتين‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬تحالف‭ ‬استراتيجي،‭ ‬فلقد‭ ‬قلَّلت‭ ‬تركيا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬انتقادها‭ ‬للحملة‭ ‬الصينية‭ ‬ضد‭ ‬الأقلية‭ ‬الأويغورية‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬شينجيانغ،‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬لغوي‭ ‬وديني‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬لكن‭ ‬الشتات‭ ‬الأويغوري‭ ‬الكبير‭ ‬المتواجد‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬يواصل‭ ‬تأجيج‭ ‬عدم‭ ‬ثقة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وتركيا‭.‬

يمثل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬واردات‭ ‬وصادرات‭ ‬تركيا،‭ ‬ويظل‭ ‬الغرب‭ ‬مصدره‭ ‬الرئيسي‭ ‬للاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ (‬FDI‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تمثل‭ ‬الصين‭ ‬حوالي‭ ‬1‭ % ‬من‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬البلاد،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ملف‭ ‬S-400‭ ‬و‭ (‬F-35‭) ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تركيا‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًا‭ ‬من‭ ‬الإطار‭ ‬الأمني‭ ‬الغربي‭.‬

لقد‭ ‬ساهمت‭ ‬العلاقات‭ ‬المتوترة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬بكين‭ ‬حيث‭ ‬سعت‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬يرى‭ ‬صانعو‭ ‬السياسة‭ ‬الأتراك‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬التركية‭ ‬الصينية‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬مُكمل‭ ‬للتحالف‭ ‬الغربي‭ ‬للبلاد‭ ‬وليس‭ ‬بديلاً‭ ‬عنه‭.‬

معاذ صيام

ماجستير اللغويات وتحليل الخطاب بجامعة الملايا - ماليزيا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button