مقالات

منظَمة شنغهاي للتعاون “وأَمن القارة الآسيوية”

د. وســـام المحـلاوي مُحاضِر بقسم الاتصال جامعة العلوم الإسلامية الماليزية

يَزدحِم‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الصِّراعات‭ ‬والنِّزاعات،‭ ‬وفي‭ ‬المُقابِل‭ ‬تَتَشكَّلُ‭ ‬أَحْلاف‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مُحاوَلة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الذَّات،‭ ‬ومُجابَهة‭ ‬التَّحديات‭ ‬الإقليميَّة‭ ‬والدولية،‭ ‬ولا‭ ‬يَخفَى‭ ‬على‭ ‬أَحَد‭ ‬الطموحات‭ ‬الصينيّة‭ ‬الكبيرةِ‭ ‬في‭ ‬التوسُّع‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التِّجاريّ‭ ‬وما‭ ‬يُصاحِب‭ ‬ذلك‭ ‬مِن‭ ‬إجراءات‭ ‬ومُتَطلَّبات‭ ‬امتلاك‭ ‬عناصر‭ ‬القوة،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬الشراكات‭ ‬والأحلاف‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬أحد‭ ‬عواملِها‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحها‭ ‬وتوسيع‭ ‬نُفوذِها‭ ‬المستقبليّ‭.‬

في‭ ‬المُقابِل‭ ‬نَجِد‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬مِثْل‭ ‬هذه‭ ‬التحالفات‭ ‬لتحقيق‭ ‬بعض‭ ‬المصالح‭ ‬والمكتَسَبات،‭ ‬ولِضمان‭ ‬أمْنِها‭ ‬الإقليميّ‭ ‬من‭ ‬خِلال‭ ‬تفاهُماتٍ‭ ‬واتفاقاتٍ‭ ‬تَحفَظ‭ ‬لها‭ ‬وجودَها‭ ‬وحقوقَها،‭ ‬وتساعدُها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬النُّموِّ‭ ‬والازدِهار،‭ ‬وتوفير‭ ‬المُتَطلبات‭ ‬الأساسية‭ ‬لمواطِنيها‭ ‬وأكثرَ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الرَّخاءِ‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ولو‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نُسَلِّطَ‭ ‬الضوءَ‭ ‬على‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فَسَنَجِد‭ ‬أنَّ‭ ‬القارَّة‭ ‬تَضُم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التناقضات،‭ ‬فهناك‭ ‬الدول‭ ‬المُستقرَّة‭ ‬والتي‭ ‬تَشْهَدُ‭ ‬تَقدُّمًا‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وتكنولوجيًّا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬وهناك‭ ‬عَدَد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المُشْكِلات‭ ‬الأمنيَّة‭ ‬والسياسيَّة‭ ‬والهَزاَّت‭ ‬الاقتصاديَّة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فَتَح‭ ‬المجال‭ ‬بِشكلٍ‭ ‬أَوسَع‭ ‬أمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتَّحدة‭ ‬الأمريكيَّة‭ ‬لِلتَّدَخُّل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخاصةً‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬وبداية‭ ‬ما‭ ‬يُسمَّى‭ ‬بالحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬والغَزْوَ‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬تبع‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬على‭ ‬أفغانستان،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬المَخاوِف‭ ‬الرُّوسية‭ ‬بِدرجةٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬مَتبوعة‭ ‬بِتَخوُّفاتٍ‭ ‬صينيَّة‭ ‬مما‭ ‬يَحدُث‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحَجْم‭ ‬الضَّرَر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المُمكِن‭ ‬أن‭ ‬يَتَرتَّب‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أَضِف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬النِّزاعات‭ ‬الحدودية‭ ‬المُتأصِّلة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬والنِّزاعات‭ ‬العِرقِيَّة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬وتَصاعُد‭ ‬مَوجات‭ ‬الكراهية‭ ‬تجاه‭ ‬أقليَّاتٍ‭ ‬مُعَيَّنة،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كالخلاف‭ ‬القَائِم‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭: ‬الهند‭ ‬وباكستان،‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬إيران‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬الحرب‭ ‬الدَّائِرة‭ ‬رَحَاها‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬أذربيجان‭ ‬وأرمينيا،‭ ‬أَضِف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الدَّعوات‭ ‬القائِمة‭ ‬على‭ ‬المُطالَبَة‭ ‬بالانفصال‭ ‬في‭ ‬عَدَدٍ‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬لِأسبابٍ‭ ‬تَتَعَلَّقُ‭ ‬بالتَّهْمِيش‭ ‬العِرْقِيّ،‭ ‬أو‭ ‬لِأسبابٍ‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يَحدُث‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬اأَراكانب‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬إبادةٍ‭ ‬وتهجيرٍ‭ ‬قَسْريّ‭ ‬لِعِرْقِيَّة‭ ‬االرُّوهِنجياب‭ ‬المُسلِمين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.‬

هذه‭ ‬العوامل‭ ‬وغيرها‭ ‬عَزَّزَت‭ ‬التَّقارُب‭ ‬بينَ‭ ‬عَدَدٍ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الكُبرى‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬لِتشكيل‭ ‬مجموعة‭ ‬اشَنغهاي‭ ‬الخُماسيةب‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬أبريل‭ ‬1996،‭ ‬حيثُ‭ ‬وَقَّع‭ ‬رُؤساءُ‭ ‬خمسةِ‭ ‬دُوَل‭ ‬وَهِيَ‭: ‬الصِّين،‭ ‬وكازخِسْتان،‭ ‬وقيرغيزستان،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬على‭ ‬مُعاهَدةٍ‭ ‬لِتعميق‭ ‬الثِّقة‭ ‬العسكريَّة‭ ‬في‭ ‬المناطِق‭ ‬الحدودية،‭ ‬تَبِعَها‭ ‬توقيعُ‭ ‬مُعاهَدَةٍ‭ ‬أُخرى‭ ‬بينَ‭ ‬نَفْس‭ ‬الدُّول‭ ‬لِلحَدِّ‭ ‬مِن‭ ‬القُوَّات‭ ‬العسكريَّة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬في‭ ‬اجتماعٍ‭ ‬عُقِد‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬عام‭ ‬1997،‭  ‬وفي‭ ‬15‭ ‬يونيو‭ ‬2001‭ ‬عُقِدَ‭ ‬اجتماع‭ ‬المجموعة‭ ‬في‭ ‬شنغهاي‭ ‬مَرَّةً‭ ‬أُخرى‭ ‬بحضور‭ ‬أوزبكستان‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لِيَتِمَّ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬اشنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬اSCO‭ ‬بِشكلِها‭ ‬الحاليّ‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬التاريخ،‭ ‬لِتَضُم‭ ‬في‭ ‬عُضويتِها‭ ‬التأسيسيَّة‭ ‬سِتّ‭ ‬دول‭ ‬هي‭: ‬الصِّين،‭ ‬وكازاخستان،‭ ‬وقيرغيزستان،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وطاجيكستان،‭ ‬وأوزبكستان،‭ ‬وتَوسَّعت‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬حيث‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬مِن‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬شَكَّل‭ ‬زَخَمًا‭  ‬جدِّيًا‭ ‬لهذه‭ ‬المُنظَّمة،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬صِفة‭ ‬مُراقِب‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬وهي‭ ‬أفغانستان،‭ ‬بيلاروسيا‭ (‬روسيا‭ ‬البيضاء‭)‬،‭ ‬إيران،‭ ‬منغوليا،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬بعضًا‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬طَلَب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عُضوِيّة‭  ‬كاملةٍ‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬كإيران‭ ‬والتي‭ ‬حَظِيَت‭ ‬بالدَّعم‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬سَبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬حَظِيت‭ ‬بصِفة‭ ‬شِريك‭ ‬حِوار‭ ‬وهي‭: ‬أرمينيا،‭ ‬أذربيجان،‭ ‬كمبوديا،‭ ‬نيبال،‭ ‬سريلانكا،‭ ‬تركيا‭.‬

حَظِيَت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬مُنذ‭ ‬نشأتِها‭ ‬باهتمامٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬رُبَّما‭ ‬لعواملَ‭ ‬تتعلقُ‭ ‬بالمنافسةِ‭ ‬على‭ ‬النُّفوذِ‭ ‬العالميّ،‭ ‬فقد‭ ‬تَقَدَّمَت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بِطلبٍ‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬طلبها‭ ‬قُوبِلَ‭ ‬بالرفض،‭ ‬كما‭ ‬وتَقدَّمت‭ ‬دولٌ‭ ‬أخرى‭ ‬بِطلباتٍ‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬صِفة‭ ‬مُراقِبٍ‭ ‬في‭ ‬المُنظَّمة‭ ‬كأرمينيا،‭ ‬وأذربيجان،‭ ‬وبنغلاديش،‭ ‬وروسيا‭ ‬البيضاء،‭ ‬ونيبال،‭ ‬وسريلانكا،‭ ‬ومصر،‭ ‬وسوريا،‭ ‬في‭ ‬حِين‭ ‬تَقدَّمت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬وجزر‭ ‬المالديف،‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬بِطلَبٍ‭ ‬لِلحُصول‭ ‬على‭ ‬صِفَة‭ ‬شَريك‭ ‬حِوار،‭ ‬كَمَا‭ ‬وأَشَار‭ ‬العِراق،‭ ‬وفيتنام‭ ‬إلى‭ ‬رَغْبَتِهما‭ ‬في‭ ‬أنْ‭ ‬يُصبِحا‭ ‬شُركاءَ‭ ‬حوارٍ‭ ‬للمنظمة،‭ ‬هذا‭ ‬التَّهافُت‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬امنظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاونب،‭  ‬يُعطِي‭ ‬انطباعًا‭ ‬بالأهميَّة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬فَحَسْب‭ ‬بَلْ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

بالنَّظرِ‭ ‬إلى‭ ‬الأهداف‭ ‬المُعلَنة‭ ‬التي‭ ‬أُنشِئَت‭ ‬مِن‭ ‬أجلِها‭ ‬المنظمة،‭ ‬والتي‭ ‬رَكَّزت‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الثِّقة‭ ‬المُتبادَلة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬ومُحارَبةِ‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتَّصَدِّي‭ ‬للجرائمِ‭ ‬الدوليَّة‭ ‬وتجارة‭ ‬المُخدِّرات،‭ ‬بالإِضافةِ‭ ‬إلى‭ ‬مُجابَهة‭ ‬النَّزْعاتِ‭ ‬الانفِصاليَّة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬تعاونٍ‭ ‬استراتيجيٍ‭ ‬بَنَّاء‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المختلفة‭ ‬كالسِّياسة،‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬والتقنيَّة‭ ‬وغيرها،‭ ‬بِما‭ ‬يَضمَن‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقةِ‭ ‬وشعوبها‭.‬

إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬أهدافًا‭ ‬خَفِيةً‭ ‬رُبَّما‭ ‬تكون‭ ‬حَرَّكت‭ ‬كُلًا‭ ‬مِن‭ ‬روسيا‭ ‬والصِّين‭ ‬لإنشاء‭ ‬مِثْل‭ ‬هذا‭ ‬التَّحالُف،‭ ‬ويأتي‭ ‬في‭ ‬مُقدِّمتِها‭ ‬مُواجهة‭ ‬النُّفوذ‭ ‬الأمريكيّ‭ ‬المُتزايِد‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخاصةً‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الأفغانية‭ ‬وما‭ ‬تَبِعَها‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬قواعدَ‭ ‬عسكريةٍ‭ ‬أمريكيةٍ‭ ‬في‭ ‬كُلٍ‭ ‬من‭ ‬قيرغيزستان‭ ‬وأوزبكستان‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬حَفِيظة‭ ‬الروس‭ ‬بِدَرجةٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬أَضِف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تخشاه‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬النُّفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يُهدِّدَ‭ ‬مَصالحَها‭ ‬التجارية،‭ ‬ومِن‭ ‬المُؤكَّد‭ ‬أنَّه‭ ‬تَمَّ‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التَّوجُّه‭ ‬بعدَ‭ ‬التصريحاتِ‭ ‬الأخيرةِ‭ ‬التي‭ ‬أَدْلى‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬والتي‭ ‬اعتَبَر‭ ‬فيها‭ ‬أنّ‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬تُمَثِّل‭ ‬بديلًا‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬بَسْط‭ ‬هَيمَنَتِهم‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شُؤون‭ ‬العالم،‭ ‬ويَقصِد‭ ‬بهذا‭ ‬الحديث‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭.‬

المآلات‭ ‬العسكريَّة‭ ‬لِمُنظَّمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون

وِفْقَ‭ ‬المُعلَن‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬مُؤَسِّسي‭ ‬المنظمة‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬حِلفًا‭ ‬عسكريًّا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ولكن‭ ‬أثناء‭ ‬وجودها‭ ‬تمّ‭ ‬تنظيم‭ ‬مُناوراتٍ‭ ‬عسكريَّةٍ‭ ‬لِمُكافَحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سَلَّط‭ ‬الضوء‭ ‬بدرجةٍ‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أنْ‭ ‬تُمَثِّلَه‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬مُستقبلًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وذَهَبَ‭ ‬البعضُ‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬المُمكِن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كيانًا‭ ‬يُوازي‭ ‬في‭ ‬مَهامِه‭ ‬حِلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطْلَسيّ‭ ‬االنَّاتوب‭ ‬الذي‭ ‬تَأسَّس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّه‭ ‬وبِالنَّظَرِ‭ ‬الدَّقيق‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬عليها‭ ‬الحِلفَين‭ ‬نَجِدُ‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬فُروقًا‭ ‬جَوهريةً‭ ‬في‭ ‬الميثاقِ‭ ‬والتوجُّهات،‭ ‬حيث‭ ‬أنَّ‭ ‬حِلف‭ ‬النَّاتو‭ ‬هو‭ ‬حِلف‭ ‬عسكريّ‭ ‬بالأساس‭ ‬يقومُ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعيّ‭ ‬المُتبادَل‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬هجومٍ‭ ‬تَتَعرضُ‭ ‬له‭ ‬أيّ‭ ‬دولة‭ ‬عُضو‭ ‬في‭ ‬الاتحاد،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بُنودِها‭ ‬صِيَغَ‭ ‬دِفاعٍ‭ ‬مُشتركَة،‭ ‬وإنَّما‭ ‬تعاون‭ ‬في‭ ‬مُكافَحةِ‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬كالإرهاب،‭ ‬والجريمة،‭ ‬والمخدرات‭ ‬وغيرها‭.‬

وِحدَة‭ ‬الأعضاء‭ ‬وحَجْم‭ ‬الخِلافات

رُبما‭ ‬يكون‭ ‬التَّحدي‭ ‬الأَبرز‭ ‬الذي‭ ‬يواجهُ‭ ‬منظمةَ‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتَّعاون‭ ‬بعد‭ ‬التهديدِ‭ ‬الذي‭ ‬تُمَثله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مُتَمَثِّلًا‭ ‬في‭ ‬وِحدةِ‭ ‬أعضائِها‭ ‬ودرجةِ‭ ‬الاتفاق‭ ‬الحاصِلة‭ ‬بينهم،‭ ‬وخاصةً‭ ‬بعدَ‭ ‬انضمام‭ ‬كُلٍ‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬إليها،‭ ‬حيث‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬حجم‭ ‬الخلاف‭ ‬والتَّوتر‭ ‬بين‭ ‬الجارتَين‭ ‬النّوَويتَين،‭ ‬ويُعتبَر‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأخير‭ ‬للمنظمة‭ ‬والذي‭ ‬عُقِدَ‭ ‬عبرَ‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2020‭ ‬خير‭ ‬شاهدٍ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬حيث‭ ‬انسحبت‭ ‬منه‭ ‬الهند‭ ‬لأن‭ ‬باكستان‭ ‬عرضت‭ ‬خريطةً‭ ‬تضعُ‭ ‬فيها‭ ‬مناطق‭ ‬مُتنازَع‭ ‬عليها‭ ‬ضِمن‭ ‬الحدود‭ ‬الباكستانية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُظهِر‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يَدَعُ‭ ‬مجالًا‭ ‬لِلشَّك‭ ‬حجم‭ ‬الخلافات‭ ‬العَلَنيّة‭ ‬بين‭ ‬عَددٍ‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المنظمة،‭ ‬أَضِف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الخلاف‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬االهيمالاياب‭ ‬والذي‭ ‬تطور‭ ‬إلى‭ ‬نِزاعٍ‭ ‬محدود،‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬وقوع‭ ‬ضحايا‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬وسُرعانَ‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬استدراك‭ ‬الحادِثة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬ذلك‭ ‬ربما‭ ‬تشكل‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ ‬أداةً‭ ‬جديدةً‭ ‬للحدِّ‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النِّزاعات،‭ ‬والمساهَمة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إبقائها‭ ‬تحت‭ ‬الرماد‭ ‬لأطول‭ ‬فترةٍ‭ ‬ممكنة‭.‬

أخيرًا،‭ ‬وبالنظر‭ ‬المُعَمَّق‭ ‬ِإلى‭ ‬ما‭ ‬تُمثلُه‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬مِن‭ ‬ثِقَلٍ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬حجم‭ ‬الأعضاء‭ ‬المُنضَمِّين‭ ‬إليها،‭ ‬ورغبةِ‭ ‬عددٍ‭ ‬آخرٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المنظمة،‭ ‬وبالأخْذِ‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الاعتبار‭ ‬المصالحَ‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬وخاصةً‭ ‬الصين،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬امبادرة‭ ‬الطَّريق‭ ‬والحزامب،‭ ‬فإنَّه‭ ‬من‭ ‬المُرَجَّحِ‭ ‬أن‭ ‬تساهمَ‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬بدرجةٍ‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬في‭ ‬تحقيقِ‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬آسيا،‭ ‬ومحاولةِ‭ ‬الحَيلولَةِ‭ ‬دون‭ ‬انجِرار‭ ‬الأمور‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بمصالحَ‭ ‬مختلفة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إلى‭ ‬مَزالِقَ‭ ‬تهدِّد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الآسيوية‭.‬

وسام المحلاوي

محاضر بقسم الاتصال - جامعة العلوم الإسلامية الماليزية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button